الخميس، 30 يونيو 2011

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (يونس 6،5، تفسير ابن كثير، مجلد 3، صفحة 169)

يخبر تعالى عما خلق من الآيات الدالة على كمال قدرته، وعظيم سلطانه، وأنه جعل الشعاع الصادر عن جرم الشمس ضياء وشعاع القمر نورا، هذا فن وهذا فن آخر، ففاوت بينهما لئلا يشتبها، وجعل سلطان الشمس بالنهار، وسلطان القمر بالليل، وقدر القمر منازل، فأول ما يبدو صغيرًا، ثم يتزايد نُوره وجرمه، حتى يستوسق ويكمل إبداره، ثم يشرع في النقص حتى يرجع إلى حاله الأول في تمام شهر، كما قال تعالى ( وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) ( يس 39،40 ). وقال ( وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) ( الأنعام 96 ).

وقال في هذه الآية الكريمة ( وقدره ) أي القمر ( وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ) فبالشمس تعرف الأيام، وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام.

( مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ ) أي لم يخلقه عبثا بل له حكمة عظيمة في ذلك، وحجة بالغة، كما قال تعالى ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) ( ص 27 ). وقال تعالى ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) ( المؤمنون 115 ، 116 )، وقوله ( نُفَصِّلُ الآيَاتِ ) أي نبين الحجج والأدلة ( لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ).

وقوله ( إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) أي تعاقبهما إذا جاء هذا ذهب هذا، وإذا ذهب هذا جاء هذا، لا يتأخر عنه شيئا، كما قال تعالى ( يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا ) ( الأعراف 54 )، وقال ( لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ) ( يس 40 )، وقال تعالى ( فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) ( الأنعام 96 ).

وقوله ( وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) أي من الآيات الدالة على عظمته تعالى، كما قال ( وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ) ( يوسف 105 )، وقال ( قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ ) ( يونس 101 ). وقال ( أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ) ( سبأ 9 ). وقال ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ ) ( آل عمران 190 ) أي العقول، وقال هاهنا ( لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ ) أي عقاب الله، وسخطه، وعذابه.
اقرأ المزيد >>

الثلاثاء، 28 يونيو 2011

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (الأعراف 175-177، تفسير ابن كثير، مجلد 2، صفحة 268)

عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، في قوله تعالى ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَ ) الآية، قال هو رجل من بني إسرائيل، يقال له بَلْعم بن أبَرَ. وقال بعض العلماء هو بلعم بن باعر. وقال آخرون إنه كان يعلم اسم الله الأعظم وكان مجاب الدعوة. وقيل هو أمية بن أبي الصلت، وكأنه إنما أراد أن أمية بن أبي الصلت يشبهه، فإنه كان قد اتصل إليه علم كثير من علم الشرائع المتقدمة، ولكنه لم ينتفع بعلمه، فإنه أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغته أعلامه وآياته ومعجزاته، وظهرت لكل من له بصيرة، ومع هذا اجتمع به ولم يتبعه، وصار إلى موالاة المشركين ومناصرتهم وامتداحهم، ورثى أهل بدر من المشركين بمرثاة بليغة - قبحه الله - فإن له أشعارا ربانية وحكما وفصاحة، ولكن لم يشرح الله صدره للإسلام.

وأغرب، بل أبعد، بل أخطأ من قال كان قد أوتي النبوة فانسلخ منها. حكاه ابن جرير عن بعضهم ولا يصح. وقال السدي إن الله لما انقضت الأربعون سنة التي قال الله ( فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) (المائدة 26) بعث يوشع بن نون نبيا، فدعا بني إسرائيل، فأخبرهم أنه نبي، وأن الله [قد] أمره أن يقاتل الجبارين، فبايعوه وصدقوه. وانطلق رجل من بني إسرائيل يقال له "بلعم" وكان عالمًا، يعلم الاسم الأعظم المكتوم فكفر - لعنه الله - وأتى الجبارين وقال لهم لا ترهبوا بني إسرائيل، فإني إذا خرجتم تقاتلونهم ادعوا عليهم دعوة فيهلكون، وكان عندهم فيما شاء من الدنيا غير أنه كان لا يستطيع أن يأتي النساء من عظمهن فكان ينكح أتاناً له، وهو الذي قال الله تعالى ( فَانْسَلَخَ مِنْهَا ).

وقوله ( فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ ) أي استحوذ عليه وغلبه على أمره، فمهما أمره امتثل وأطاعه؛ ولهذا قال ( فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ ) أي من الهالكين الحائرين البائرين.

وقوله تعالى ( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ) يقول تعالى ( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ) أي لرفعناه من التدنس عن قاذورات الدنيا بالآيات التي آتيناه إياها، ( وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ ) أي مال إلى زينة الدنيا وزهرتها، وأقبل على لذاتها ونعيمها، وغرّته كما غرت غيره من غير أولي البصائر والنهى.

وقال أبو الزاهرية في قوله تعالى ( وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ ) قال تراءى له الشيطان على غَلْوة من قنطرة بانياس، فسجدت الحمارة لله، وسجد بلعام للشيطان. وكذا قال غير واحد.

وقال الإمام أبو جعفر بن جرير، رحمه الله وكان من قصة هذا الرجل ما حدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر عن أبيه أنه سُئل عن هذه الآية ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا ) فحدث عن سيار أنه كان رجلا يقال له بلعام، وكان قد أوتي النبوة وكان مجاب الدعوة، قال وإن موسى أقبل في بني إسرائيل يريد الأرض التي فيها بلعام - أو قال الشام - قال فرُعب الناس منه رعبًا شديدًا، قال فأتوا بلعام، فقالوا ادع الله على هذا الرجل وجيشه، قال حتى أوَامر ربي - أو حتى أؤامر - قال فوامر في الدعاء عليهم، فقيل له لا تدع عليهم، فإنهم عبادي، وفيهم نبيهم. قال فقال لقومه إني قد آمرت ربي في الدعاء عليهم، وإني قد نهيت. فأهدوا له هدية فقبلها، ثم راجعوه فقالوا ادع عليهم. فقال حتى أوامر. فوامر، فلم يَحُر إليه شيء. فقال قد وامرت فلم يَحُر إلى شيء، فقالوا لو كره ربك أن تدعو عليهم لنهاك كما نهاك المرة الأولى. قال فأخذ يدعو عليهم، فإذا دعا عليهم، جرى على لسانه الدعاء على قومه، وإذا أراد أن يدعو أن يفتح لقومه دعا أن يفتح لموسى وجيشه أو نحوًا من ذلك إن شاء الله. قال ما نراك تدعو إلا علينا. قال ما يجري على لساني إلا هكذا، ولو دعوت عليه أيضا ما استجيب لي، ولكن سأدلكم على أمر عسى أن يكون فيه هلاكهم. إن الله يبغض الزنا، وإنهم إن وقعوا بالزنا هلكوا، ورجوت أن يهلكهم الله، فأخرجوا النساء يَسْتقبلنهم فإنهم قوم مسافرون، فعسى أن يزنوا فيهلكوا. قال ففعلوا. قال فأخرجوا النساء يستقبلنهم. قال وكان للملك ابنة فذكر من عظمها ما الله أعلم به، قال فقال أبوها - أو بلعام - لا تمكني نفسك إلا من موسى، قال ووقعوا في الزنا. قال وأتاها رأس سبط من أسباط بني إسرائيل، قال فأرادها على نفسه، فقالت ما أنا بممكنة نفسي إلا من موسى. قال فقال إن منـزلتي كذا وكذا، وإن من حالي كذا وكذا. قال فأرسلت إلى أبيها تستأمره، قال فقال لها فأمكنيه قال ويأتيهما رجل من بني هارون ومعه الرمح فيطعنهما. قال وأيده الله بقوة. فانتظمهما جميعا، ورفعهما على رمحه فرآهما الناس - أو كما حدَّث - قال وسلط الله عليهم الطاعون، فمات منهم سبعون ألفا.

قال أبو المعتمر فحدثني سَيَّار أن بلعامًا ركب حمارة له حتى أتى علولي - أو قال طريقا من علولي - جعل يضربها ولا تُقْدم، وقامت عليه فقالت علام تضربني؟ أما ترى هذا الذي بين يديك؟ فإذا الشيطان بين يديه، قال فنـزل وسجد له، قال الله تعالى ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا ) إلى قوله ( لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) قال فحدثني بهذا سيار، ولا أدري لعله قد دخل فيه شيء من حديث غيره.

قلت هو بلعام ويقال بلعم بن باعوراء، ويقال ابن أبَرَ. ويقال ابن باعور بن شهوم بن قوشتم ابن ماب بن لوط بن هاران، ويقال ابن حران بن آزر. وكان يسكن قرية من قرى البلقاء. قال ابن عساكر وهو الذي كان يعرف اسم الله الأعظم، فانسلخ من دينه، له ذكر في القرآن. ثم أورد من قصته نحوا مما ذكرنا هاهنا، وأورده عن وهب وغيره، والله أعلم.

وقوله تعالى ( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ) اختلف المفسرون في معناه فأما على سياق ابن إسحاق عن سالم بن أبي النضر أن بلعاما اندلع لسانه على صدره فتشبيهه بالكلب في لهثه في كلتا حالتيه إن زجر وإن ترك. وقيل معناه فصار مثله في ضلاله واستمراره فيه، وعدم انتفاعه بالدعاء إلى الإيمان وعدم الدعاء كالكلب في لهثه في حالتيه، إن حملت عليه وإن تركته، هو يلهث في الحالين، فكذلك هذا لا ينتفع بالموعظة والدعوة إلى الإيمان ولا عدمه؛ كما قال تعالى ( سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) (البقرة 6).

وقيل معناه أن قلب الكافر والمنافق والضال، ضعيف فارغ من الهدى، فهو كثير الوجيب فعبر عن هذا بهذا، نقل نحوه عن الحسن البصري وغيره.

وقوله تعالى ( فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ( فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ ) أي لعل بني إسرائيل العالمين بحال بلعام، وما جرى له في إضلال الله إياه وإبعاده من رحمته، بسبب أنه استعمل نعمة الله عليه في تعليمه الاسم الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب، في غير طاعة ربه، بل دعا به على حزب الرحمن، وشعب الإيمان، أتباع عبده ورسوله في ذلك الزمان، كليم الله موسى بن عمران عليه السلام، ولهذا قال ( لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) أي فيحذروا أن يكونوا مثله؛ فإن الله قد أعطاهم علمًا، وميزهم على من عداهم من الأعراب، وجعل بأيديهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم يعرفونها كما يعرفون أبناءهم، فهم أحق الناس وأولاهم باتباعه ومناصرته ومؤازرته، كما أخبرتهم أنبياؤهم بذلك وأمرتهم به؛ ولهذا من خالف منهم ما في كتابه وكتمه فلم يعلم به العباد، أحل الله به ذلا في الدنيا موصولا بذل الآخرة.

وقوله ( سَاءَ مَثَلا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ ) يقول تعالى ساء مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا، أي ساء مثلهم أن شبهوا بالكلاب التي لا همة لها إلا في تحصيل أكلة أو شهوة، فمن خرج عن حَيِّز العلم والهدى وأقبل على شهوة نفسه، واتبع هواه، صار شبيها بالكلب، وبئس المثل مثله؛ ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه".

وقوله ( وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ ) أي ما ظلمهم الله، ولكن هم ظلموا أنفسهم، بإعراضهم عن اتباع الهدى، وطاعة المولى، إلى الركون إلى دار البلى، والإقبال على تحصيل اللذات وموافقة الهوى.
اقرأ المزيد >>

الأحد، 26 يونيو 2011

وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ * فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (سبأ 14،13،12، تفسير ابن كثير، مجلد 6، صفحة 135)

لما ذكر تعالى ما أنعم به على داود، عطف بذكر ما أعطى ابنه سليمان ، من تسخير الريح له تحمل بساطه، غدوها شهر ورواحها شهر.


وقوله ( وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ) قال عدد من العلماء القطر النحاس.

وقوله ( وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ) أي وسخرنا له الجن يعملون بين يديه بإذن الله، أي بقدره ، وتسخيره لهم بمشيئته ما يشاء من البنايات وغير ذلك. ( وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا ) أي ومَنْ يعدل ويخرج منهم عن الطاعة ( نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ ) وهو الحريق.

وقوله ( يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ )  أما المحاريب فهي البناء الحسن، وهو أشرف شيء في المسكن وصدره.وأما التماثيل فقال غير واحد التماثيل الصور. قيل كانت من نحاس. وقيل من طين وزجاج.

وقوله ( وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ) الجواب جمع جابية، وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء، وقيل ( كَالْجَوَابِ ) أي كالجوبة من الأرض. والقدور الراسيات أي الثابتات، في أماكنها لا تتحول ولا تتحرك عن أماكنها لعظمها.

وقوله ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا ) أي وقلنا لهم اعملوا شكرًا على ما أنعم به عليكم في الدنيا والدين. وشكرًا مصدر من غير الفعل، أو أنه مفعول له، وعلى التقديرين فيه دلالة على أن الشكر يكون بالفعل كما يكون بالقول وبالنية، كما قال الشاعر:

أفَــادَتْكُمُ النّعْمَـاء منِّـــي ثَــلاثةً             يـدِي, ولَسَـاني, وَالضَّمـير المُحَجَّبَـا

قال أبو عبد الرحمن الحُبلي  الصلاة شكر، والصيام شكر، وكل خير تعمله لله شكر. وأفضل الشكر الحمد. وعن محمد بن كعب القُرَظي قال الشكر تقوى الله والعمل الصالح. وهذا يقال لمن هو متلبس بالفعل، وقد كان آل داود، عليه السلام، كذلك قائمين بشكر الله قولا وعملا.

وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن أحب الصلاة إلى الله صلاةُ داودَ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما. ولا يَفر إذا لاقى".

وقوله ( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) إخبار عن الواقع.


ثم يذكر تعالى كيفية موت سليمان، عليه السلام، وكيف عَمَّى الله موته على الجانّ المسخرين له في الأعمال الشاقة، فإنه مكث متوكئًا على عصاه - وهي مِنْسَأته - كما قال ابن عباس رضي الله عنه وغير واحد - مدة طويلة نحوا من سنة، فلما أكلتها دابةُ الأرض، وهي الأرضة، ضعفت وسقط إلى الأرض، وعلم أنه قد مات قبل ذلك بمدة طويلة، تبينت الجن والإنس أيضًا أن الجن لا يعلمون الغيب، كما كانوا يتوهمون ويوهمون الناس ذلك.


اقرأ المزيد >>

الجمعة، 24 يونيو 2011

وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (سبأ 11،10، تفسير ابن كثير، مجلد 6، صفحة 135)





يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود، صلوات الله وسلامه عليه، مما آتاه من الفضل المبين، وجمع له بين النبوة والملك المتمكن، والجنود ذوي العَدَد والعُدَد، وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم، الذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات، الصم الشامخات، وتقف له الطيور السارحات، والغاديات والرائحات، وتجاوبه بأنواع اللغات. وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت أبي موسى الأشعري يقرأ من الليل، فوقف فاستمع لقراءته ، ثم قال " لقد أوتي هذا مِزْمَارًا من مزامير آل داود". وقال أبو عثمان النهدي ما سمعت صوت صَنج ولا بَرْبَط ولا وَتَر أحسن من صوت أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه.

ومعنى قوله ( أَوِّبِي ) أي سبحي.والصواب أن المعني في قوله تعالى ( أَوِّبِي مَعَهُ ) أي رجعي معه مسبحة، والله أعلم.

وقوله ( وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ )  قال غير واحد، كان لا يحتاج أن يُدخلَه نارًا ولا يضربه بمطرقة، بل كان يفتله بيده مثل الخيوط؛ ولهذا قال تعالى ( أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ ) وهي الدروع. قال قتادة وهو أول من عملها من الخلق، وإنما كانت قبل ذلك صفائح.

( وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ )  هذا إرشاد من الله لنبيه داود، عليه السلام، في تعليمه صنعة الدروع. قال مجاهد في قوله ( وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ )  لا تُدِقّ المسمار فَيقلَق في الحلقة، ولا تُغَلّظه فيفصمها، واجعله بقدر.

وقوله ( وَاعْمَلُوا صَالِحًا ) أي في الذي أعطاكم الله من النعم، ( إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) أي مراقب لكم، بصير بأعمالكم وأقوالكم، لا يخفى علي من ذلك شيء.
اقرأ المزيد >>

الأربعاء، 22 يونيو 2011

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (الأنعام 165، تفسير ابن كثير، مجلد 2،صفحة 56)

يقول تعالى ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ ) أي جعلكم تعمرون الأرض جيلا بعد جيل، وقَرْنا بعد قرن، وخَلَفا بعد سَلَف. كقوله تعالى ( وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ ) (الزخرف 60)، وكقوله تعالى ( وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ ) (النمل  62)، وقوله ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) (البقرة 30)، وقوله ( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) (الأعراف  129).

وقوله ( وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ) أي فاوت بينكم في الأرزاق والأخلاق، والمحاسن والمساوي، والمناظر والأشكال والألوان، وله الحكمة في ذلك، كقوله تعالى ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ) (الزخرف  32)، وقوله تعالى ( انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا ) (الإسراء  21).

وقوله ( لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ) أي ليختبركم في الذي أنعم به عليكم وامتحنكم به، ليختبر الغني في غناه ويسأله عن شكره، والفقير في فقره ويسأله عن صبره.

وعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الدنيا حُلْوَة خَضِرَة وإن الله مُسْتَخْلِفكم فيها لينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ".

وقوله ( إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) ترهيب وترغيب، أن حسابه وعقابه سريع ممن عصاه وخالف رسله ( وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) لمن والاه واتبع رسله فيما جاءوا به من خير وطلب.

وكثيرا ما يقرن تعالى في القرآن بين هاتين الصفتين، كما قال تعالى ( نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ ) (الحجر 49،50)، وقوله ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ) (الرعد 6) وغير ذلك من الآيات المشتملة على الترغيب والترهيب، فتارة يدعو عباده إليه بالرغبة وصفة الجنة والترغيب فيما لديه، وتارة يدعوهم إليه بالرهبة وذكر النار وأنكالها وعذابها والقيامة وأهوالها، وتارة بهذا وبهذا ليَنْجَع في كُلَّ بحَسَبِه. جَعَلَنا الله ممن أطاعه فيما أمر، وترك ما عنه نهى وزَجَر، وصدقه فيما أخبر، إنه قريب مجيب سميع الدعاء، جواد كريم وهاب.

عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طَمِع بالجنة أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قَنطَ من الجنة أحد، خلق الله مائة رَحْمَة فوضع واحدة بين خلقه يتراحمون بها، وعند الله تسعة وتسعون ".
اقرأ المزيد >>

الاثنين، 20 يونيو 2011

قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (الفرقان 77، تفسير البغوي، مجلد 5،صفحة 167)

( قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي ) قال مجاهد وابن زيد: أي ما يصنع وما يفعل بكم. قال أبو عبيدة يقال ما عبأت به شيئًا أي لم أعدّه، فوجوده وعدمه سواء، مجازه أي وزن وأي مقدار لكم عنده.

( لَوْلا دُعَاؤُكُمْ ) إيَّاه، وقيل لولا إيمانكم، وقيل لولا عبادتكم، وقيل لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام، فإذا آمنتم ظهر لكم قدر. وقال قوم معناها قل ما يعبأ بخلقكم ربي لولا عبادتكم وطاعتكم إياه يعني إنه خلقكم لعبادته، كما قال تعالى ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) (الذاريات 56) وهذا قول ابن عباس ومجاهد. وقال قوم ( قل ما يعبأ ) ما يبالي بمغفرتكم ربي لولا دعاؤكم معه آلهة، أو ما يفعل بعذابكم لولا شرككم، كما قال الله تعالى ( مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ) (النساء 147). وقيل ما يعبأ بعذابكم لولا دعاؤكم إياه في الشدائد، كما قال ( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ ) (العنكبوت 65)، وقال تعالى ( فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ) (الأنعام 42). وقيل ( قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ) يقول ما خلقتكم ولي إليكم حاجة إلا أن تسألوني فأعطيكم وتستغفروني فأغفر لكم.

( فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ) أيها الكافرون، يخاطب أهل مكة، يعني إن الله دعاكم بالرسول إلى توحيده وعبادته فقد كذبتم الرسول ولم تجيبوه.

( فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) هذا تهديده لهم، أي يكون تكذيبكم لزامًا، قال ابن عباس موتًا. وقال أبو عبيدة هلاكًا وقال ابن زيد قتالا. والمعنى: يكون التكذيب لازمًا لمن كذب، فلا يعطى التوبة حتى يجازى بعمله. وقال ابن جرير عذابًا دائمًا لازمًا وهلاكًا مقيمًا يلحق بعضكم ببعض. واختلفوا فيه، فقال قوم هو يوم بدر قتل منهم سبعون وأسر سبعون. وهو قول عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومجاهد ومقاتل، يعني أنهم قتلوا يوم بدر واتصل بهم عذاب الآخرة لازمًا لهم. قال عبد الله "خمس قد مضين الدُّخَان، والقمر، والرُّوم، والبَطْشَةُ، واللِّزام" ( فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ) وقيل اللزام هو عذاب الآخرة.
اقرأ المزيد >>

السبت، 18 يونيو 2011

يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (يونس 58،57، تفسير ابن كثير، مجلد 3، صفحة 245)

يقول تعالى ممتنا على خلقه بما أنـزل إليهم من القرآن العظيم على رسوله الكريم ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ ) أي زاجر عن الفواحش، ( وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ ) أي من الشُبَه والشكوك، وهو إزالة ما فيها من رجس ودَنَس، ( وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ) أي محصلٌ لها الهداية والرحمة من الله تعالى. وإنما ذلك للمؤمنين به والمصدقين الموقنين بما فيه، كما قال تعالى ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا ) (الإسراء 82)، وقال تعالى ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ) (فصلت 44).

وقوله تعالى ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) أي بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا، فإنه أولى ما يفرحون به، ( هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) أي من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة.
اقرأ المزيد >>

الخميس، 16 يونيو 2011

وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ * قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (الأعراف 127-129، تفسير ابن كثير، مجلد 2، صفحة 177)

يخبر تعالى عما تمالأ عليه فرعون وملؤه، وما أضمروه لموسى، عليه السلام، وقومه من الأذى والبغضة ( وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ ) أي لفرعون ( أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ ) أي أتدعهم ليفسدوا في الأرض، أي يفسدوا أهل رعيتك ويدعوهم إلى عبادة ربهم دونك، يالله للعجب! صار هؤلاء يشفقون من إفساد موسى وقومه! ألا إن فرعون وقومه هم المفسدون، ولكن لا يشعرون؛ ولهذا قالوا ( وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ) قال بعضهم "الواو" هنا حالية، أي: أتذره وقومه يفسدون وقد ترك عبادتك؟

وقال آخرون هي واو عاطفة، أي لا تدع موسى يصنع هو وقومه من الفساد ما قد أقررتهم عليه وعلى تركه آلهتك.

وقرأ بعضهم " إلاهتك " أي: عبادتك.

وعلى القراءة الأولى قال بعضهم كان لفرعون إله يعبده. قال الحسن البصري: كان لفرعون إله يعبده في السر. وقال في رواية أخرى: كان له جُمَانة في عنقه معلقة يسجد لها.

فأجابهم فرعون فيما سألوه بقوله ( سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ) وهذا أمر ثان بهذا الصنيع، وقد كان نكل بهم به قبل ولادة موسى، عليه السلام، حذرا من وجوده، فكان خلاف ما رامه وضدّ ما قصده فرعون. وهكذا عومل في صنيعه هذا أيضا، إنما أراد قهر بني إسرائيل وإذلالهم، فجاء الأمر على خلاف ما أراد نصرهم الله عليه وأذله، وأرغم أنفه، وأغرقه وجنوده.

ولما صمم فرعون على ما ذكره من المساءة لبني إسرائيل، ( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ) ووعدهم بالعاقبة، وأن الدار ستصير لهم في قوله ( إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ) أي قد جرى علينا مثل ما رأيت من الهوان والإذلال من قبل ما جئت يا موسى، ومن بعد ذلك. فقال منبهًا لهم على حالهم الحاضرة وما يصيرون إليه في ثاني الحال: ( عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) ، وهذا تحضيض لهم على العزم على الشكر، عند حلول النعم وزوال النقم.
اقرأ المزيد >>

الثلاثاء، 14 يونيو 2011

هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (الفتح 25، تفسير ابن كثير، مجلد 7، صفحة 99)

يقول تعالى مخبرا عن الكفار من مشركي العرب من قريش ومن مالأهم على نصرتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) أي هم الكفار دون غيرهم، ( وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) أي وأنتم أحق به، وأنتم أهله في نفس الأمر، ( وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ ) أي وصدوا الهدي أن يصل إلى محله، وهذا من بغيهم وعنادهم، وكان الهديُ سبعين بدنة.

وقوله ( وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ ) أي بين أظهرهم ممن يكتم إيمانه ويخفيه منهم خيفة على أنفسهم من قومهم، لكنا سَلَّطناكم عليهم فقتلتموهم وأبدتم خضراءهم، ولكن بين أفنائهم من المؤمنين والمؤمنات أقوام لا تعرفونهم حالة القتل؛ ولهذا قال ( لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ ) أي إثم وغرامة ( بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ) أي يؤخر عقوبتهم ليخلص من بين أظهرهم المؤمنين، وليرجع كثير منهم إلى الإسلام.

ثم قال تعالى ( لَوْ تَزَيَّلُوا ) أي لو تميز الكفار من المؤمنين الذين بين أظهرهم ( لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) أي لسلطناكم عليهم فلقتلتموهم قتلا ذريعا.
اقرأ المزيد >>

الأحد، 12 يونيو 2011

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (فصلت 33-36، تفسير ابن كثير، مجلد 6، صفحة 438)

يقول تعالى ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ) أي دعا عباد الله إليه، ( وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) أي وهو في نفسه مهتد بما يقوله، فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومُتَعَدٍ، وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه، وينهون عن المنكر ويأتونه، بل يأتمر بالخير ويترك الشر، ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى. وهذه عامة في كل من دعا إلى خير، وهو في نفسه مهتد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك.

وقيل: المراد بها المؤذنون الصلحاء، كما ثبت في صحيح مسلم: "المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة".

والصحيح أن الآية عامة في المؤذنين وفي غيرهم، فأما حال نـزول هذه الآية فإنه لم يكن الأذان مشروعا بالكلية؛ لأنها مكية، والأذان إنما شرع بالمدينة بعد الهجرة، حين أريه عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري في منامه، فقصه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يلقيه على بلال فإنه أندى صوتا، كما هو مقرر في موضعه، فالصحيح إذًا أنها عامة، تلا الحسن البصري هذه الآية ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فقال هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خِيَرَة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، وقال إنني من المسلمين، هذا خليفة الله.

وقوله ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ) أي فرق عظيم بين هذه وهذه، ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) أي من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه، كما قال عمر رضي الله عنه ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه.

وقوله ( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) وهو الصديق، أي إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك.

ثم قال ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا ) أي وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك، فإنه يشق على النفوس، ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) أي ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والأخرى.

عن ابن عباس في تفسير هذه الآية أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم.

وقوله ( وَإِمَّا يَنـزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نـزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ) أي إن شيطان الإنس ربما ينخدع بالإحسان إليه، فأما شيطان الجن فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك، فإذا استعذت بالله ولجأت إليه، كفه عنك ورد كيده. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يقول "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه".

وهذا المقام لا نظير له في القرآن إلا في "سورة الأعراف" عند قوله ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (الأعراف 199، 200)، وفي سورة المؤمنين عند قوله ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ) (المؤمنون 96-98).
اقرأ المزيد >>

الجمعة، 10 يونيو 2011

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (الحجرات 11، تفسير ابن كثير، مجلد 7، صفحة 105)





ينهى تعالى عن السخرية بالناس، وهي احتقارهم والاستهزاء بهم، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "الكِبْر بطر الحق وغَمْص الناس" ويروى "وغمط الناس" والمراد من ذلك احتقارهم واستصغارهم، وهذا حرام، فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له؛ ولهذا قال ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ )، فنص على نهي الرجال وعطف بنهي النساء.

وقوله ( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ) أي لا تلمزوا الناس. والهمَّاز اللَّماز من الرجال مذموم ملعون، كما قال تعالى ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ ) (الهمزة 1)، فالهمز بالفعل واللمز بالقول، كما قال ( هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ) (القلم 11) أي يحتقر الناس ويهمزهم طاعنًا عليهم، ويمشي بينهم بالنميمة وهي اللمز بالمقال؛ ولهذا قال هاهنا ( وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ )، كما قال ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ) (النساء 29) أي لا يقتل بعضكم بعضا. أي لا يطعن بعضكم على بعض.

وقوله ( وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ ) أي لا تتداعوا بالألقاب، وهي التي يسوء الشخص سماعها.

وقوله ( بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ ) أي بئس الصفة والاسم الفسوق وهو التنابز بالألقاب، كما كان أهل الجاهلية يتناعتون، بعدما دخلتم في الإسلام وعقلتموه، ( وَمَنْ لَمْ يَتُبْ ) أي من هذا ( فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) .
اقرأ المزيد >>

الأربعاء، 8 يونيو 2011

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (سَبأ 2،1، تفسير ابن كثير، مجلد 6، صفحة 125)





يخبر تعالى عن نفسه الكريمة أن له الحمدَ المطلق في الدنيا والآخرة؛ لأنه المنعم المتفضل على أهل الدنيا والآخرة، المالك لجميع ذلك، الحاكم في جميع ذلك، كما قال ( وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (القصص 70)؛ ولهذا قال هاهنا ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ ) أي الجميع ملكه وعبيده وتحت قهره وتصرفه، كما قال ( وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى ) (الليل: 13). ثم قال ( وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ )، فهو المعبود أبدا، المحمود على طول المدى.

وقوله تعالى ( وَهُوَ الْحَكِيمُ ) أي في أقواله وأفعاله وشرعه وقَدَره، ( الْخَبِيرُ ) الذي لا تخفى عليه خافية، ولا يغيب عنه شيء. وقال مالك عن الزهري خبير بخلقه، حكيم بأمره؛ ولهذا قال ( يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا ) أي يعلم عدد القطر النازل في أجزاء الأرض، والحب المبذور والكامن فيها، ويعلم ما يخرج من ذلك، عدده وكيفيته وصفاته، ( وَمَا يَنـزلُ مِنَ السَّمَاءِ ) أي من قطر ورزق، ( وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا ) أي من الأعمال الصالحة وغير ذلك، ( وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ) أي الرحيم بعباده فلا يعاجل عُصاتهم بالعقوبة، الغفور عن ذنوب عباده التائبين إليه المتوكلين عليه.
اقرأ المزيد >>

الاثنين، 6 يونيو 2011

مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (الأنعام 160، تفسير ابن كثير، مجلد 2، صفحة 56)

وهذه الآية الكريمة مفصلة لما أجمل في قوله ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ) (النمل 89)، وقد وردت الأحاديث مطابقة لهذه الآية، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يروي عن ربه، عز وجل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن ربكم (عز وجل) رحيم، من هَمَّ بحسنة فلم يعملها كُتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا إلى سبعمائة، إلى أضعاف كثيرة. ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له واحدة، أو يمحوها الله، عَزَّ وجل، ولا يهلك على الله إلا هالك ".

وعن أبي ذر، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله، عَزَّ وجل: من عَمِل حسنة فله عشر أمثالها وأزيد. ومن عمل سيئة فجزاؤها مثلها أو أغفر. ومن عمل قُرَاب الأرض خطيئة ثم لقيني لا يشرك بي شيئا جعلت له مثلها مغفرة. ومن اقترب إليَّ شبرًا اقتربت إليه ذراعا، ومن اقترب إليَّ ذراعًا اقتربت إليه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هَرْوَلَة " .

وعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من هَمَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا. ومن هم بسيئة فلم يعملها لم يكتب عليه شيء، فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة ".

واعلم أن تارك السيئة الذي لا يعملها على ثلاثة أقسام:
1.      تارة يتركها لله عَزَّ وجل فهذا تكتب له حسنة على كفه عنها لله تعالى، وهذا عمل ونِيَّة؛ ولهذا جاء أنه يكتب له حسنة، كما جاء في بعض ألفاظ الصحيح " فإنما تركها من جرائي " أي من أجلي.
2.      وتارة يتركها نسيانًا وذُهولا عنها، فهذا لا له ولا عليه؛ لأنه لم ينو خيرًا ولا فعل شرًا.
3.      وتارة يتركها عجزا وكسلا بعد السعي في أسبابها والتلبس بما يقرب منها، فهذا يتنـزل منـزلة فاعلها، كما جاء في الحديث، في الصحيحين " إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ". قالوا: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: " إنه كان حريصًا على قتل صاحبه" .

وقال جماعة من السلف ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) من جاء بـ" لا إله إلا الله "، ( وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ ) يقول بالشرك.
اقرأ المزيد >>

السبت، 4 يونيو 2011

وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (الفرقان 31،30، تفسير ابن كثير، مجلد 5، صفحة 128)






يقول تعالى مخبرا عن رسوله ونبيه محمد - صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين - أنه قال ( يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا )، وذلك أن المشركين كانوا لا يُصغُون للقرآن ولا يسمعونه، كما قال تعالى ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) (فصلت 26) وكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره، حتى لا يسمعونه. فهذا من هجرانه، وترك الإيمان به وتصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدولُ عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه، فنسأل الله الكريمَ المنانَ القادرَ على ما يشاء، أن يخلّصنا مما يُسْخطه، ويستعملنا فيما يرضيه، من حفظ كتابه وفهمه، والقيام بمقتضاه آناء الليل وأطرافَ النهار، على الوجه الذي يحبه ويرضاه، إنه كريم وهاب.

وقوله ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ) أي كما حصل لك يا محمد في قومك من الذين هجروا القرآن، كذلك كان في الأمم الماضين؛ لأن الله جعل لكل نبي عدوا من المجرمين، يدعون الناس إلى ضلالهم وكفرهم، كما قال تعالى ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ ) (الأنعام  112 -113) ؛ ولهذا قال هاهنا ( وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) أي لمن اتبع رسوله، وآمن بكتابه وصدقه واتبعه، فإن الله هاديه وناصره في الدنيا والآخرة. وإنما قال ( هَادِيًا وَنَصِيرًا ) لأن المشركين كانوا يصدون الناس عن اتباع القرآن، لئلا يهتدي أحد به، ولتغلب طريقتهم طريقة القرآن؛ فلهذا قال ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ).
اقرأ المزيد >>

الخميس، 2 يونيو 2011

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا (الإسراء 18-21، تفسير ابن كثير، مجلد 4، صفحة 230)





يخبر تعالى أنه ما كل من طلب الدنيا وما فيها من النعيم يحصل له، بل إنما يحصل لمن أراد الله ما يشاء.

وهذه مقيدة لإطلاق ما سواها من الآيات فإنه قال ( عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا ) أي في الآخرة ( يَصْلاهَا ) أي يدخلها حتى تغمره من جميع جوانبه ( مَذْمُومًا ) أي في حال كونه مذمومًا على سوء تصرفه وصنيعه إذ اختار الفاني على الباقي ( مَدْحُورًا )  مبعدًا مقصيًا حقيرًا ذليلا مهانًا.

وقوله ( وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ ) أي أراد الدار الآخرة وما فيها من النعيم والسرور ( وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ) أي طلب ذلك من طريقه وهو متابعة الرسول ( وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) أي وقلبه مؤمن، أي مصدق بالثواب والجزاء ( فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ).

يقول تعالى ( كُلا ) أي كل واحد من الفريقين الذين أرادوا الدنيا والذين أرادوا الآخرة، نمدهم فيما هم فيه ( مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ) أي هو المتصرف الحاكم الذي لا يجور، فيعطي كلا ما يستحقه من الشقاوة والسعادة ولا راد لحكمه ولا مانع لما أعطى، ولا مغير لما أراد؛ ولهذا قال ( وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ) أي ممنوعا، أي لا يمنعه أحد ولا يرده راد. قيل ( مَحْظُورًا ) أي منقوصًا. وقيل ممنوعًا.

ثم قال تعالى ( انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) في الدنيا، فمنهم الغني والفقير وبين ذلك، والحسن والقبيح وبين ذلك، ومن يموت صغيرًا، ومن يعمر حتى يبقى شيخًا كبيرًا، وبين ذلك ( وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا ) أي ولتفاوتهم في الدار الآخرة أكبر من الدنيا؛ فإن منهم من يكون في الدركات في جهنم وسلاسلها وأغلالها، ومنهم من يكون في الدرجات العُلَى في الجنة ونعيمها وسرورها، ثم أهل الدركات يتفاوتون فيما هم فيه، كما أن أهل الدرجات يتفاوتون، فإن الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض. وفي الصحيحين "إن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين، كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء"، ولهذا قال تعالى ( وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا ).

اقرأ المزيد >>