الجمعة، 30 سبتمبر 2011

أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ * وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (العنكبوت 19-23، تفسير ابن كثير، مجلد 5، صفحة 389)


يقول تعالى مخبرًا عن الخليل إبراهيم عليه السلام، أنه أرشدهم إلى إثبات المعاد الذي ينكرونه، بما يشاهدونه في أنفسهم من خلق الله إياهم، بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا، ثم وجدوا وصاروا أناسا سامعين مبصرين، فالذي بدأ هذا قادر على إعادته؛ فإنه سهل عليه يسير لديه.

ثم أرشدهم إلى الاعتبار بما في الآفاق من الآيات المشاهدة من خلق الله الأشياء: السموات وما فيها من الكواكب النيرة الثوابت، والسيارات، والأرضين وما فيها من مهاد وجبال، وأودية وبرارٍ وقفار، وأشجار وأنهار، وثمار وبحار، كل ذلك دال على حدوثها في أنفسها، وعلى وجود صانعها الفاعل المختار، الذي يقول للشيء كن، فيكون؛ ولهذا قال ( أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )، كقوله ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) (الروم 27).

ثم قال تعالى ( قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ ) أي يوم القيامة، ( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ). وهذا المقام شبيه بقوله تعالى ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ) (فصلت 53)، وكقوله تعالى ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ ) (الطور 35، 36).

وقوله ( يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ ) أي هو الحاكم المتصرف، الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه، ولا يُسأل عما يفعل وهم يسألون، فله الخلق والأمر، مهما فعل فَعَدْلٌ؛ لأنه المالك الذي لا يظلم مثقال ذرة، كما جاء في الحديث " إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه، لعذبهم وهو غير ظالم لهم ". ولهذا قال تعالى ( يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ) أي ترجعون يوم القيامة.

وقوله ( وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ) أي لا يعجزه أحد من أهل سماواته وأرضه، بل هو القاهر فوق عباده، وكل شيء خائف منه، فقير إليه، وهو الغني عما سواه.

( وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ ) أي جحدوها وكفروا بالمعاد، ( أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي ) أي لا نصيب لهم فيها، ( وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) أي موجع في الدنيا والآخرة.
اقرأ المزيد >>

الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ* إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ(فاطر 6،5، تفسير ابن كثير، مجلد 6، صفحة 158)


يقول ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ) أي المعاد كائن لا محالة، ( فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ) أي العيشة الدنيئة بالنسبة إلى ما أعد الله لأوليائه وأتباع رسله من الخير العظيم فلا تَتَلَهَّوا عن ذلك الباقي بهذه الزهرة الفانية، ( وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) وهو الشيطان. قاله ابن عباس. أي لا يفتننكم الشيطان ويصرفنكم عن اتباع رسل الله وتصديق كلماته فإنه غرَّار كذاب أفاك. وهذه الآية كالآية التي في آخر لقمان ( فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) (لقمان 33). قال مالك عن زيد بن أسلم هو الشيطان. كما قال المؤمنون للمنافقين يوم القيامة حين يضرب ( بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) (الحديد 13،14).

ثم بين تعالى عداوة إبليس لابن آدم فقال ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ) أي هو مبارز لكم بالعداوة، فعادوه أنتم أشد العداوة، وخالفوه وكذبوه فيما يغركم به، ( إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) أي إنما يقصد أن يضلكم حتى تدخلوا معه إلى عذاب السعير، فهذا هو العدو المبين. فنسأل الله القوي العزيز أن يجعلنا أعداء الشيطان ،وأن يرزقنا اتباع كتابه، والاقتفاء بطريق رسوله، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير. وهذه كقوله ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا ) (الكهف 50).
اقرأ المزيد >>

الاثنين، 26 سبتمبر 2011

وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ * أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (القصص 61،60، تفسير ابمن كثير، مجلد 5، صفحة 350)


يقول تعالى مخبرًا عن حقارة الدنيا، وما فيها من الزينة الدنيئة والزهرة الفانية بالنسبة إلى ما أعده الله لعباده الصالحين في الدار الآخرة من النعيم العظيم المقيم، كما قال ( مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ) (النحل 96 )، وقال ( وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ ) (آل عمران 198 )، وقال ( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مَتَاعٌ ) (الرعد 26 )، وقال ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) (الأعلى  16،17)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والله ما الدنيا في الآخرة، إلا كما يَغْمِس أحدكم إصبعه في اليم، فَلْينظُر ماذا يرجع إليه ".

وقوله ( أَفَلا يَعْقِلُونَ ) أي أفلا يعقل مَنْ يقدم الدنيا على الآخرة؟.

وقوله ( أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) يقول تعالى أفمن هو مؤمن مصدق بما وعده الله على صالح أعماله من الثواب الذي هو صائر إليه لا محالة، كمَنْ هو كافر مكذب بلقاء الله ووعده ووعيده، فهو ممتع في الحياة الدنيا أيامًا قلائل، ( ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) من المعذبين.

ثم قد قيل إنها نـزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أبي جهل. وقيل في حمزة وعلي وأبي جهل. والظاهر أنها عامة، وهذا كقوله تعالى إخبارا عن ذلك المؤمن حين أشرف على صاحبه، وهو في الدرجات وذاك في الدركات ( وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) ( الصافات 57)، وقال تعالى ( وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ) (الصافات 158 ).
اقرأ المزيد >>

السبت، 24 سبتمبر 2011

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (المائدة 54-57، تفسير ابن كثير، مجلد 1، صفحة 449)


يقول تعالى مخبرا عن قدرته العظيمة أن من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته، فإن الله يستبدل به من هو خير لها منه وأشد منعة وأقوم سبيلا كما قال تعالى ( وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) (محمد 38) وقال تعالى ( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ) (النساء 133)، وقال تعالى ( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ) (إبراهيم19،20) أي بممتنع ولا صعب. وقال تعالى هاهنا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ) أي يرجع عن الحق إلى الباطل.

وقوله تعالى ( أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ) هذه صفات المؤمنين الكُمَّل أن يكون أحدهم متواضعًا لأخيه ووليه، متعززًا على خصمه وعدوه، كما قال تعالى ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) (الفتح 29).

وقوله تعالى ( يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ) أي لا يردهم عما هم فيه من طاعة الله، وقتال أعدائه، وإقامة الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يردهم عن ذلك راد، ولا يصدهم عنه صاد، ولا يحيك فيهم لوم لائم ولا عذل عاذل.

( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ) أي من اتصف بهذه الصفات، فإنما هو من فضل الله عليه، وتوفيقه له، ( وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) أي واسع الفضل، عليم بمن يستحق ذلك ممن يَحْرمه إياه.

وقوله ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) أي ليس اليهود بأوليائكم، بل ولايتكم راجعة إلى الله ورسوله والمؤمنين. وقوله ( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) أي المؤمنون المتصفون بهذه الصفات، من إقام الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وإيتاء الزكاة التي هي حق المخلوقين، ومساعدة للمحتاجين من الضعفاء والمساكين. فكل من رضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين فهو مفلح في الدنيا والآخرة، ومنصور في الدنيا والآخرة؛ ولهذا قال الله تعالى في هذه الآية الكريمة ( وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ).
اقرأ المزيد >>

الخميس، 22 سبتمبر 2011

إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (الفرقان 12-14، تفسير ابن كثير، مجلد 5، صفحة 123)


قوله ( إِذَا رَأَتْهُمْ ) أي جهنم ( مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ) يعني في مقام المحشر. ( سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ) أي حنقا عليهم، كما قال تعالى ( إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ) (الملك 7،8) أي يكاد ينفصل بعضها من بعض؛ من شدة غيظها على من كفر بالله.

وقوله ( وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا ) وقوله ( مُقَرَّنِينَ ) يعني مكتَّفين ( دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا ) أي بالويل والحسرة والخيبة. ( لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا ) الثبور: الهلاك، والأظهر أن الثبور يجمع الهلاك والويل والخسار والدمار، كما قال موسى لفرعون ( وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ) (الإسراء 102) أي هالكاً.
اقرأ المزيد >>

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2011

تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (الفرقان 62،61، تفسير ابن كثير، مجلد 5، صفحة 147)


يقول تعالى ممجدا نفسه، ومعظما على جميل ما خلق في السماء من البروج -وهي الكواكب العظام، وقيل: هي قصور في السماء للحرس، والقول الأول أظهر. اللهم إلا أن يكون الكواكب العظام هي قصور للحرس، فيجتمع القولان، كما قال تعالى ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ) (الملك 5)؛ ولهذا قال ( تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا ) وهي الشمس المنيرة، التي هي كالسراج في الوجود، كما قال ( وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ) (النبأ 13).

قوله ( وَقَمَرًا مُنِيرًا ) أي مضيئا مشرقا بنور آخر ونوع وفن آخر، غير نور الشمس، كما قال ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا ) (يونس 5)، وقال مخبرا عن نوح، عليه السلام، أنه قال لقومه ( أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ) (نوح  15،16).

ثم قال تعالى ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً ) أي يخلف كل واحد منهما الآخر، يتعاقبان لا يفتران. إذا ذهب هذا جاء هذا، وإذا جاء هذا ذهب ذاك ، كما قال ( وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) (إبراهيم 33)، وقال ( يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ) (الأعراف 54)، وقال ( لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (يس 40).

وقوله تعالى ( لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ) أي جعلهما يتعاقبان، توقيتا لعبيدة عباده له، فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار، ومن فاته عمل في النهار استدركه في الليل. وقد جاء في الحديث الصحيح "إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل". وقال مجاهد، وقتادة ( خِلْفَة ) أي مختلفين، أي هذا بسواده، وهذا بضيائه.
اقرأ المزيد >>

الأحد، 18 سبتمبر 2011

وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (النساء 2-4، تفسير ابن كثير، مجلد 8، صفحة 294)


يأمر تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحُلُم كاملة موفرة، وينهى عن أكلها وضَمِّها إلى أموالهم؛ ولهذا قال ( وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ) قال بعض أهل العلم لا تعْجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الرزق الحلال الذي قدر لك. وقيل لا تبَدَّلوا الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم، يقول لا تبذروا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام. وقيل لا تُعْط مهزولا وتأخذ سمينا. وقيل لا تعط زائفًا وتأخذ جيدًا.

وقال السُّدِّي كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غَنم اليتيم، ويجعل فيها مكانها الشاة المهزولة، ويقول شاة بشاة، ويأخذ الدرهم الجَيِّد ويطرح مكانه الزّيْف، ويقول درهم بدرهم.

وقوله ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ ) أي لا تخلطوها فتأكلوها جميعا. وقوله ( إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ) أي إثمًا كبيرًا عظيما. والمعنى إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم وخطأ كبير فاجتنبوه.

وقوله ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى ) أي إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف ألا يعطيها مهر مثلها، فليعدل إلى ما سواها من النساء، فإنهن كثير، ولم يضيق الله عليه.

وعن عائشة أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها، وكان لها عَذْق. وكان يمسكها عليه، ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت فيه ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ) أحسبه قال كانت شريكَتَه في ذلك العَذْق وفي ماله.

وعن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ) قالت يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تَشْرَكه في ماله ويعجبُه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يَقْسِط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن، ويبلغُوا بهنَّ أعلى سُنتهنَّ في الصداق، وأمِروا أن ينكحُوا ما طاب لهم من النساء سواهُنَّ. قال عروة قالت عائشة وإن الناس استفْتَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية، فأنزل الله تعالى ( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ) قالت عائشة وقولُ الله في الآية الأخرى ( وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ) (النساء 127) رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال. فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله من يتامى النساء إلا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهن إذا كُن قليلات المال والجمال .

وقوله (مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ) أي انكحوا ما شئتم من النساء سواهن إن شاء أحدكم ثنتين، وإن شاء ثلاثا، وإن شاء أربعا، قال ابن عباس وجمهور العلماء؛ المقام مقام امتنان وإباحة، فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره. قال الشافعي: وقد دَلَّت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة. وهذا الذي قاله الشافعي، رحمه الله، مجمع عليه بين العلماء، إلا ما حُكي عن طائفة من الشيعة أنه يجوز الجمع بين أكثر من أربع إلى تسع. وقال بعضهم بلا حصر. وقد يتمسك بعضهم بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في جمعه بين أكثر من أربع إلى تسع كما ثبت في الصحيح، وهذا عند العلماء من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره من الأمة.

وقوله ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) أي فإن خشيتم من تعداد النساء ألا تعدلوا بينهن، كما قال تعالى ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ) (النساء 129) فمن خاف من ذلك فيقتصر على واحدة، أو على الجواري السراري، فإنه لا يجب قسم بينهن، ولكن يستحب، فمن فعل فحسن، ومن لا فلا حرج.

وقوله ( ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا ) قال بعضهم ذلك أدنى ألا تكثر عائلتكم. وهذا مأخوذ من قوله تعالى ( وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً أي فقرًا فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (التوبة 28) وقال الشاعر:

فمــا يَــدري الفقـير متـى غنـاه            ومَــا يَــدرِي الغَنـيُّ متـى يعيـل

وتقول العرب عال الرجل يعيل عَيْلة، إذا افتقر ولكن في هذا التفسير هاهنا نظر؛ فإنه كما يخشى كثرة العائلة من تعداد الحرائر، كذلك يخشى من تعداد السراري أيضا. والصحيح قول الجمهور ( ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا ) أي لا تجوروا. يقال عال في الحكم إذا قَسَط وظلم وجار، وقال أبو طالب في قصيدته المشهورة:

بميــزان قسطٍ لا يَخيـس شعيرة          له شــاهد من نفسه غيـر عـائل

وقوله ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) نحلة: فريضة. وقال ابن زيد النحلة في كلام العرب الواجب، يقول لا تنكحها إلا بشيء واجب لها، وليس ينبغي لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح امرأة إلا بصداق واجب، ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذبا بغير حق.

ومضمون كلامهم أن الرجل يجب عليه دفع الصداق إلى المرأة حَتمًا، وأن يكون طيب النفس بذلك، كما يمنح المنيحة ويعطي النحلة طيبًا، كذلك يجب أن يعطي المرأة صداقها طيبا بذلك، فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيء منه فليأكله حلالا طيبًا؛ ولهذا قال تعالى ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا  ).
اقرأ المزيد >>

الجمعة، 16 سبتمبر 2011

وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ * خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (الأنبياء 37،36، تفسير ابن كثير، مجلد 4، صفحة 450)


يقول تعالى لنبيه، صلوات الله وسلامه عليه، ( وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) يعني كفار قريش كأبي جهل وأشباهه ( إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا ) أي يستهزئون بك وينتقصونك، يقولون ( أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ) يعنون أهذا الذي يسب آلهتكم ويسفه أحلامكم، قال تعالى ( وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ) أي وهم كافرون بالله، ومع هذا يستهزئون برسول الله، كما قال في الآية الأخرى ( وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا * إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا ) (الفرقان 41، 42).

وقوله ( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) ، كما قال في الآية الأخرى ( وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا ) (الإسراء11) أي في الأمور.

قال مجاهد: خلق الله آدم بعد كل شيء من آخر النهار، من يوم خلق الخلائق فلما أحيا الروح عينيه ولسانه ورأسه، ولم يبلغ أسفله قال: يا رب، استعجل بخلقي قبل غروب الشمس.

والحكمة في ذكر عجلة الإنسان هاهنا أنه لما ذكر المستهزئين بالرسول، صلوات الله وسلامه عليه، وقع في النفوس سرعة الانتقام منهم واستعجلت ، فقال الله تعالى ( خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) ؛ لأنه تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، يؤجل ثم يعجل، وينظر ثم لا يؤخر؛ ولهذا قال ( سَأُرِيكُمْ آيَاتِي ) أي نقمي وحكمي واقتداري على من عصاني، ( فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ).
اقرأ المزيد >>

الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ * أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (القصص 61،60، تفسير ابن كثير، مجلد 5، صفحة 350)


يقول تعالى مخبرًا عن حقارة الدنيا، وما فيها من الزينة الدنيئة والزهرة الفانية بالنسبة إلى ما أعده الله لعباده الصالحين في الدار الآخرة من النعيم العظيم المقيم، كما قال ( مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ) (النحل 96)، وقال ( وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ ) (آل عمران 198)، وقال ( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا مَتَاعٌ ) (الرعد 26)، وقال ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) (الأعلى 16،17)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والله ما الدنيا في الآخرة، إلا كما يَغْمِس أحدكم إصبعه في اليم، فَلْينظُر ماذا يرجع إليه ".

وقوله تعالى ( أَفَلا يَعْقِلُونَ ) أي أفلا يعقل مَنْ يقدم الدنيا على الآخرة؟.

وقوله تعالى ( أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) أي أفمن هو مؤمن مصدق بما وعده الله على صالح أعماله من الثواب الذي هو صائر إليه لا محالة، كمَنْ هو كافر مكذب بلقاء الله ووعده ووعيده، فهو ممتع في الحياة الدنيا أيامًا قلائل، ( ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) من المعذبين.

ثم قد قيل: إنها نـزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أبي جهل. وقيل في حمزة وعلي وأبي جهل، وكلاهما عن مجاهد. والظاهر أنها عامة، وهذا كقوله تعالى إخبارا عن ذلك المؤمن حين أشرف على صاحبه، وهو في الدرجات وذاك في الدركات ( وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) (الصافات 57)، وقال تعالى ( وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ) (الصافات 158).
اقرأ المزيد >>

الاثنين، 12 سبتمبر 2011

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (النور 21، تفسير ابن كثير، مجلد 5، صفحة 5)


( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ) يعني طرائقه ومسالكه وما يأمر به، ( وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) هذا تنفير وتحذير من ذلك، بأفصح العبارة وأوجزها وأبلغها وأحسنها.

( خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ) قال عكرمة نـزغاته. وقال قتادة كل معصية فهي من خطوات الشيطان. وقال أبو مِجْلَز النذور في المعاصي من خطوات الشيطان.

ثم قال تعالى ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا ) أي لولا هو يرزق من يشاء التوبة والرجوع إليه، ويزكي النفوس من شركها وفجورها ودسها وما فيها من أخلاق رديئة، كل بحسبه، لما حصل أحد لنفسه زكاة ولا خيرا ( وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ) أي من خلقه، ويضل من يشاء ويرديه في مهالك الضلال والغي.

وقوله ( وَاللَّهُ سَمِيعٌ ) أي سميع لأقوال عباده ( عليم ) بهم، مَنْ يستحق منهم الهدى والضلال.
اقرأ المزيد >>

السبت، 10 سبتمبر 2011

وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (الحجر 99، تفسير ابن كثير، مجلد 4، صفحة 101)

عن سالم بن عبد الله (الْيَقِينُ ) الموت، وهكذا قال غيرُ واحد، والدليل على ذلك قوله تعالى إخبارًا عن أهل النار أنهم قالوا ( لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ ) (المدثر 43-47).

وفي الصحيح عن أم العلاء - امرأة من الأنصار - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل على عثمان بن مظعون وقد مات قلت رحمة الله عليك أبا السائب، فشهادتي عليك لقد أكرمك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وما يدريك أن الله أكرمه؟ " فقلت بأبي وأمي يا رسول الله، فمن؟ فقال " أما هو فقد جاءه اليقين، وإني لأرجو له الخير ".

ويستدل من هذه الآية الكريمة وهي قوله ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) على أن العبادة كالصلاة ونحوها واجبة على الإنسان ما دام عقله ثابتا فيصلي بحسب حاله، كما ثبت في صحيح البخاري، عن عمران بن حصين، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" صَلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جَنْب ".

ويستدل بها على تخطئة من ذهب من الملاحدة إلى أن المراد باليقين المعرفة، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة سقط عنه التكليف عندهم. وهذا كفر وضلال وجهل، فإن الأنبياء، عليهم السلام، كانوا هم وأصحابهم أعلم الناس بالله وأعرفهم بحقوقه وصفاته، وما يستحق من التعظيم، وكانوا مع هذا أعبد الناس وأكثر الناس عبادة ومواظبة على فعل الخيرات إلى حين الوفاة. وإنما المراد باليقين هاهنا الموت، كما قدمناه. ولله الحمد والمنة، والحمد لله على الهداية، وعليه الاستعانة والتوكل، وهو المسؤول أن يتوفانا على أكمل الأحوال وأحسنها فإنه جواد كريم.
اقرأ المزيد >>

الخميس، 8 سبتمبر 2011

قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (المؤمنون 108-111، تفسير ابن كثير، مجلد 4، صفحة 601)

هذا جواب من الله تعالى للكفار إذا سألوا الخروج من النار والرجعة إلى هذه الدار، يقول ( اخْسَئُوا فِيهَا ) أي امكثوا فيها صاغرين مُهانين أذلاء. ( وَلا تُكَلِّمُونِ ) أي لا تعودوا إلى سؤالكم هذا، فإنه لا جواب لكم عندي. وقيل ( اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ ) قال: هذا قول الرحمن حين انقطع كلامهم منه.

ثم قال تعالى مذكرًا لهم بذنوبهم في الدنيا، وما كانوا يستهزئون بعباده المؤمنين وأوليائه، فقال ( إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا ) أي فسخرتم منهم في دعائهم إياي وتضرعهم إليّ، ( حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي ) أي حملكم بغضهم على أن نَسِيتم معاملتي ( وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ ) أي من صنيعهم وعبادتهم، كما قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ) (المطففين 29،30) أي يلمزونهم استهزاء.

ثم أخبر عما جازى به أولياءه وعباده الصالحين، فقال ( إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا ) أي على أذاكم لهم واستهزائكم منهم، ( أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ) بالسعادة والسلامة والجنة والنجاة من النار.
اقرأ المزيد >>

الثلاثاء، 6 سبتمبر 2011

وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ * ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (الحج 58 إلى 60، تفسير ابن كثير، مجلد 4، صفحة 550)


يخبر تعالى عمن خرج مهاجرًا في سبيل الله ابتغاء مرضاته، وطلبا لما عنده، وترك الأوطان والأهلين والخِلان، وفارق بلاده في الله ورسوله، ونصرة لدين الله ( ثُمَّ قُتِلُوا ) أي في الجهاد ( أَوْ مَاتُوا ) أي حتف أنفهم ، أي: من غير قتال على فرشهم، فقد حصلوا على الأجر الجزيل، والثناء الجميل، كما قال تعالى ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) (النساء 100).

وقوله ( لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا ) أي ليُجْريَن عليهم من فضله ورزقه من الجنة ما تقر به أعينهم، ( وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلا يَرْضَوْنَهُ ) أي الجنة. كما قال تعالى ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) (الواقعة 88،89) فأخبر أنه يحصل له الراحة والرزق وجنة نعيم، كما قال هاهنا ( لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا )، ثم قال ( لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ ) أي بمن يهاجر ويجاهد في سبيله، وبمن يستحق ذلك ( حَلِيمٌ ) أي يحلم ويصفح ويغفر لهم الذنوب ويكفرها عنهم بهجرتهم إليه، وتوكلهم عليه. فأما من قتل في سبيل الله من مهاجر أو غير مهاجر، فإنه حي عند ربه يرزق، كما قال تعالى ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (آل عمران 169)، والأحاديث في هذا كثيرة.

وأما من تُوُفي في سبيل الله من مهاجر أو غير مهاجر، فقد تضمنت هذه الآية الكريمة مع الأحاديث الصحيحة إجراء الرزق عليه، وعظيم إحسان الله إليه. عن شُرَحْبِيل بن السِّمْط: طال رباطنا وإقامتنا على حصن بأرض الروم، فمر بي سلمان الفارسي رضي الله عنه، فقال: إني سمعت رسول الله يقول: " من مات مرابطًا، أجرى الله عليه مثل ذلك الأجر، وأجرى عليه الرزق، وأمن من الفَتَّانين واقرءوا إن شئتم ( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ ) ".
وعن أبي قبيل وربيعة بن سيف المعافري يقولان: كنا برودس، ومعنا فَضَالة بن عبيد الأنصاري - صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم- فمر بجنازتين، إحداهما قتيل والأخرى متوفى، فمال الناس على القتيل، فقال فضالة: ما لي أرى الناس مالوا مع هذا، وتركوا هذا؟! فقالوا: هذا قتيل في سبيل الله تعالى. فقال: والله ما أبالي من أي حُفرتيهما بُعثت، اسمعوا كتاب الله: ( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ).
اقرأ المزيد >>

الأحد، 4 سبتمبر 2011

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (آل عمران 15،14، تفسير السعدي، مجلد 1، صفحة 717)

يخبر تعالى أنه زين للناس حب الشهوات الدنيوية، وخص هذه الأمور المذكورة لأنها أعظم شهوات الدنيا وغيرها تبع لها، قال تعالى ( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا ) فلما زينت لهم هذه المذكورات بما فيها من الدواعي المثيرات، تعلقت بها نفوسهم ومالت إليها قلوبهم، وانقسموا بحسب الواقع إلى قسمين: قسم جعلوها هي المقصود، فصارت أفكارهم وخواطرهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة لها، فشغلتهم عما خلقوا لأجله، وصحبوها صحبة البهائم السائمة، يتمتعون بلذاتها ويتناولون شهواتها، ولا يبالون على أي وجه حصلوها، ولا فيما أنفقوها وصرفوها، فهؤلاء كانت زادا لهم إلى دار الشقاء والعناء والعذاب، والقسم الثاني عرفوا المقصود منها وأن الله جعلها ابتلاء وامتحانا لعباده، ليعلم من يقدم طاعته ومرضاته على لذاته وشهواته، فجعلوها وسيلة لهم وطريقا يتزودون منها لآخرتهم ويتمتعون بما يتمتعون به على وجه الاستعانة به على مرضاته، قد صحبوها بأبدانهم وفارقوها بقلوبهم، وعلموا أنها كما قال الله فيها ( ذلك متاع الحياة الدنيا ) فجعلوها معبرا إلى الدار الآخرة ومتجرا يرجون بها الفوائد الفاخرة، فهؤلاء صارت لهم زادا إلى ربهم.

وفي هذه الآية تسلية للفقراء الذين لا قدرة لهم على هذه الشهوات التي يقدر عليها الأغنياء، وتحذير للمغترين بها وتزهيد لأهل العقول النيرة بها، وتمام ذلك أن الله تعالى أخبر بعدها عن دار القرار ومصير المتقين الأبرار، وأخبر أنها خير من ذلكم المذكور، ألا وهي الجنات العاليات ذات المنازل الأنيقة والغرف العالية، والأشجار المتنوعة المثمرة بأنواع الثمار، والأنهار الجارية على حسب مرادهم والأزواج المطهرة من كل قذر ودنس وعيب ظاهر وباطن، مع الخلود الدائم الذي به تمام النعيم، مع الرضوان من الله الذي هو أكبر نعيم، فقس هذه الدار الجليلة بتلك الدار الحقيرة، ثم اختر لنفسك أحسنهما واعرض على قلبك المفاضلة بينهما ( والله بصير بالعباد ) أي عالم بما فيهم من الأوصاف الحسنة والأوصاف القبيحة، وما هو اللائق بأحوالهم، يوفق من شاء منهم ويخذل من شاء. فالجنة التي ذكر الله وصفها ونعتها بأكمل نعت وصف أيضا المستحقين لها وهم الذين اتقوه بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه.
اقرأ المزيد >>

الجمعة، 2 سبتمبر 2011

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة 62، تفسير ابن كثير، مجلد 1، صفحة 149)


لما بين الله تعالى حال من خالف أوامره وارتكب زواجره، وتعدى في فعل ما لا إذن فيه وانتهك المحارم، وما أحلّ بهم من النكال، نبه تعالى على أن مَنْ أحسن من الأمم السالفة وأطاع، فإن له جزاء الحسنى، وكذلك الأمر إلى قيام الساعة؛ كُلّ من اتبع الرسول النبي الأمي فله السعادة الأبدية، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه، ولا هُمْ يحزنون على ما يتركونه ويخلفونه، كما قال تعالى ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (يونس 62) وكما تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار في قوله  ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) فصلت 30).

واليهود من الهوادة وهي المودة أو التهود وهي التوبة؛ كقول موسى، عليه السلام: ( إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ) (الأعراف 156) أي: تبنا، فكأنهم سموا بذلك في الأصل لتوبتهم ومودتهم في بعضهم لبعض. وقيل لنسبتهم إلى يهودا أكبر أولاد يعقوب عليه السلام، وقال أبو عمرو بن العلاء لأنهم يتهودون، أي يتحركون عند قراءة التوراة.

فلما بعث عيسى صلى الله عليه وسلم وجب على بني إسرائيل اتباعه والانقياد له، فأصحابه وأهل دينه هم النصارى، وسموا بذلك لتناصرهم فيما بينهم، وقد يقال لهم:أنصار أيضًا، كما قال عيسى، عليه السلام ( مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ) (آل عمران 52) وقيل إنهم إنما سُمّوا بذلك من أجل أنهم نـزلوا أرضًا يقال لها ناصرة.

والنصارى جمع نصران كنشاوى جمع نشوان، وسكارى جمع سكران، ويقال للمرأة نصرانة، قال الشاعر:  نصرانـة لم تَحَنَّـفِ

فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتمًا للنبيين، ورسولا إلى بني آدم على الإطلاق، وجب عليهم تصديقُه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانكفاف عما عنه زجر. وهؤلاء هم المؤمنون حقا . وسميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنين لكثرة إيمانهم وشدة إيقانهم، ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الآتية. وأما الصابئون فقد اختلف فيهم؛ فقيل الصابئون قوم بين المجوس واليهود والنصارى، ليس لهم دين. وقيل إنهم كالمجوس، فقال الحكم: ألم أخبركم بذلك. وقيل هم قوم يعبدون الملائكة.

وسئل وهب بن منبه عن الصابئين، فقال: الذي يعرف الله وحده، وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفرًا. وفي قول آخر الصابئون أهل دين من الأديان، كانوا بجزيرة الموصل

وأظهر الأقوال - والله أعلم - قول من قال أنهم قوم ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركين، وإنما هم قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتفونه؛ ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابئي، أي أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذاك. وقال بعض العلماء: الصابئون الذين لم تبلغهم دعوة نبي، والله أعلم.
اقرأ المزيد >>