الأحد، 30 أكتوبر 2011

فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (الروم 17-19، تفسير ابن كثير، مجلد 5، صفحة 359)


هذا تسبيح منه تعالى لنفسه المقدسة، وإرشاد لعباده إلى تسبيحه وتحميده، في هذه الأوقات المتعاقبة الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه، عند المساء وهو إقبال الليل بظلامه، وعند الصباح وهو إسفار النهار عن ضيائه.

ثم اعترض بحمده مناسبة للتسبيح وهو التحميد، فقال ( وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) أي هو المحمود على ما خلق في السماوات والأرض.

ثم قال: ( وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ) فالعشاء هو شدة الظلام، والإظهار قوة الضياء. فسبحان خالق هذا وهذا، فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا، كما قال تعالى ( وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ) (الشمس 3،4)، وقال تعالى (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (الليل 1،2)، وقال (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) الضحى 1،2) والآيات في هذا كثيرة.

وقوله ( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ) هو ما نحن فيه من قدرته على خلق الأشياء المتقابلة. وهذه الآيات المتتابعة الكريمة كلها من هذا النمط، فإنه يذكر فيها خلقه الأشياء وأضدادها، ليدل خلقه على كمال قدرته، فمن ذلك إخراج النبات من الحب، والحب من النبات، والبيض من الدجاج، والدجاج من البيض، والإنسان من النطفة، والنطفة من الإنسان، والمؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن.
وقوله ( وَيُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ) كقوله تعالى ( وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ) (يس 33،34)، وقال تعالى ( وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) (الحج 5-7)، وقال تعالى ( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (الأعراف 57)؛ ولهذا قال هاهنا ( وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ).
اقرأ المزيد >>

الجمعة، 28 أكتوبر 2011

وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (الحج 28،27، تفسير بن كثير، مجلد 4، صفحة 529)


( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ) أي ناد في الناس داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه، ( يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) قد يَستدلّ بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أن الحج ماشيا، لمن قدر عليه، أفضلُ من الحج راكبا؛ لأنه قدمهم في الذكر، فدل على الاهتمام بهم وقوة هممهم وشدة عزمهم، والذي عليه الأكثرون أن الحج راكبا أفضل؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه حج راكبا مع كمال قوته عليه السلام. ( يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) يعني: طريق بعيد.
( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ) قال غير واحد هي منافع الدنيا والآخرة؛ أما منافع الآخرة فرضوان الله، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البُدْن والربح والتجارات.
وقوله: ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ ) قال ابن عباس: الأيام المعلومات هي أيام العشر من ذي الحجة.وعن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما العمل في أيام أفضل منها في هذه" قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل، يخرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء".
وهذه العشر مشتمله على يوم عرفة الذي ثبت في صحيح مسلم عن أبي قتادة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة، فقال: "أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والآتية". ويشتمل على يوم النحر الذي هو يوم الحج الأكبر، وقد ورد في حديث أنه أفضل الأيام عند الله وبالجملة فهذه العشر قد قيل إنها أفضل أيام السنة، كما نطق به الحديث، وفضلها كثير على عشر رمضان الأخير؛ لأنها يشرع فيها ما يشرع في رمضان من صيام وصلاة وصدقة وغيره، وتمتاز عشر ذي الحجة باختصاصها بأداء فرض الحج فيها. وقيل: عشر رمضان الأخيرة أفضل لاشتمالها على ليلة القدر، التي هي خير من ألف شهر. وتوسط آخرون فقالوا: أيام ذي الحجة أفضل، وليالي رمضان أفضل، وبهذا يجتمع شمل الأدلة، والله أعلم.
وقيل في الأيام المعلومات:أنها يوم النحر وثلاثة أيام بعده. وقيل: الأيام المعلومات والمعدودات هن جميعهن أربعة أيام، فالأيام المعلومات يوم النحر ويومان بعده، والأيام المعدودات ثلاثة أيام بعد يوم النحر. وقيل: إنها يوم عرفة، ويوم النحر، ويوم آخر بعده.
اقرأ المزيد >>

الأربعاء، 26 أكتوبر 2011

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (البقرة 254، تفسير ابن كثير، مجلد 6، صفحة 77)6)


يأمر تعالى عباده بالإنفاق مما رزقهم في سبيله، سبيل الخير، ليدخروا ثواب ذلك عند ربهم ومليكهم وليبادروا إلى ذلك في هذه الحياة الدنيا ( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ ) يعني يوم القيامة ( لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ ) أي لا يباع أحد من نفسه ولا يفادى بمال لو بذله، ولو جاء بملء الأرض ذهبًا ولا تنفعه خلة أحد، يعني صداقته بل ولا نسابته ( وَلا شَفَاعَةٌ ) أي ولا تنفعهم شفاعة الشافعين. وقوله ( وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) أي ولا ظالم أظلم ممن وافى الله يومئذ كافراً.
اقرأ المزيد >>

الاثنين، 24 أكتوبر 2011

وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (فاطر 18، تفسير ابن كثير، مجلد 6، صفحة 161)


وقوله ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) أي يوم القيامة، ( وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا ) أي وإن تدع نفس مثقلة بأوزارها إلى أن تُسَاعَد على حمل ما عليها من الأوزار أو بعضه، ( لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ) أي ولو كان قريبًا إليها، حتى ولو كان أباها أو ابنها، كل مشغول بنفسه وحاله، كما قال تعالى ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) (عبس 34-37).
ثم قال ( إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ ) أي إنما يتعظ بما جئت به أولو البصائر والنهى، الخائفون من ربهم، الفاعلون ما أمرهم به، ( وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ ) أي ومَنْ عمل صالحا فإنما يعود نفعه على نفسه، ( وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) أي وإليه المرجع والمآب، وهو سريع الحساب، وسيجزي كل عامل بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرًّا فشر.
اقرأ المزيد >>

السبت، 22 أكتوبر 2011

يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (الأحزاب 32-34، تفسير ابن كثير، مجلد 6، صفحة 94)


هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك، فقال مخاطبا لنساء النبي صلى الله عليه وسلم بأنهن إذا اتقين الله كما أمرهن، فإنه لا يشبههن أحد من النساء، ولا يلحقهن في الفضيلة والمنـزلة، ثم قال ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ) قال السُّدِّي وغيره يعني بذلك ترقيق الكلام إذا خاطبن الرجال؛ ولهذا قال ( فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ) أي دَغَل، ( وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا ) قال ابن زيد قولا حسنًا جميلا معروفًا في الخير. ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم، أي لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها.

وقوله ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) أي الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة، ومن الحوائج الشرعية الصلاة في المسجد بشَرْطِه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن وهن تَفِلات" وفي رواية: "وبيوتهن خير لهن". وعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون بروْحَة ربها وهي في قَعْر بيتها". وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة المرأة في مَخْدعِها أفضل من صلاتها في بيتها، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها".

وقوله تعالى ( وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى ) قال قتادة إذا خرجتن من بيوتكن وكانت لهن مشية وتكسر وتغنُّج فنهى الله عن ذلك. وقال مقاتل بن حيان ( وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى ) والتبرج أنها تلقي الخمار على رأسها، ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدو ذلك كله منها، وذلك التبرج، ثم عمت نساء المؤمنين في التبرج.
وعن ابن عباس قال ( وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى ) كانت فيما بين نوح وإدريس، وكانت ألف سنة، وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل، والآخر يسكن الجبل. وكان رجال الجبل صباحا وفي النساء دَمَامة. وكان نساء السهل صباحا وفي الرجال دمامة، وإن إبليس أتى رجلا من أهل السهل في صورة غلام، فآجر نفسه منه، فكان يخدمه واتخذ إبليس شيئًا مثل الذي يُزَمّر فيه الرِّعاء، فجاء فيه بصوت لم يسمَع الناس مثله، فبلغ ذلك من حوله، فانتابوهم يسمعون إليه، واتخذوا عيدا يجتمعون إليه في السنة، فيتبرَّجُ النساء للرجال. قال: ويتزيَّن الرجال لهن، وإن رجلا من أهل الجبل هَجَم عليهم في عيدهم ذلك، فرأى النساء وصَبَاحتهن، فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك، فتحولوا إليهن، فنـزلوا معهن وظهرت الفاحشة فيهن، فهو قوله تعالى: ( وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى ).
وقوله ( وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ )، نهاهن أولا عن الشر ثم أمرهن بالخير، من إقامة الصلاة  وهي: عبادة الله، وحده لا شريك له وإيتاء الزكاة وهي الإحسان إلى المخلوقين، ( وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) وهذا من باب عطف العام على الخاص.
وقوله ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) وهذا نص في دخول أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أهل البيت هاهنا؛ لأنهن سبب نـزول هذه الآية، وسبب النـزول داخل فيه قولا واحدا، إما وَحْدَه على قول أو مع غيره على الصحيح.
وعن عائشة، رضي الله عنها خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة، وعليه مِرْط مُرَحَّل من شَعْر أسود، فجاء الحسن فأدخله معه، ثم جاء الحسين فأدخله معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه، ثم جاء علي فأدخله معه، ثم قال: ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ).
وعن يزيد بن حَيَّان قال انطلقت أنا وحُصَين بن سَبْرَةَ وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيتَ يا زيدُ خيرًا كثيرًا رأيتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعتَ حديثه، وغزوتَ معه، وصليتَ خلفه، لقد لقيت يا زيد خيرًا كثيرًا ؛ حَدّثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: يا بن أخي، والله لقد كَبرَت سِنِّي، وقدم عهدي، ونسيتُ بعض الذي كنتُ أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما حَدّثتكُم فاقبلوا، وما لا فلا تُكَلّفونيه. ثم قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطيبا بماء يدعى خُمًّا بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وَذَكّر، ثم قال: "أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، وأولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به". فَحَثّ على كتاب الله وَرَغَّب فيه، ثم قال: "وأهل بيتي، أذَكِّركم الله في أهل بيتي، أذكِّركم الله في أهل بيتي" ثلاثا. فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حُرِمَ الصّدَقة بعده. قال: ومَنْ هم؟ قال هم آل علي، وآل عَقِيل، وآل جعفر، وآل عباس. قال: كل هؤلاء حُرِمَ الصدقة؟ قال: نعم .
ثم الذي لا يشك فيه من تَدَبَّر القرآن أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم داخلات في قوله تعالى ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )، فإن سياق الكلام معهن؛ ولهذا قال تعالى بعد هذا كله ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ) أي اعملن بما ينـزل الله على رسوله في بيوتكن من الكتاب والسنة. قاله قتادة وغير واحد، واذكرن هذه النعمة التي خصصتن بها من بين الناس، أن الوحي ينـزل في بيوتكن دون سائر الناس، وعائشة الصديقة بنت الصديق أَوْلاهُنَّ بهذه النعمة، وأحظاهن بهذه الغنيمة، وأخصهن من هذه الرحمة العميمة، فإنه لم ينـزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحيُ في فراش امرأة سواها، كما نص على ذلك صلوات الله وسلامه عليه. قال بعض العلماء، رحمه الله: لأنه لم يتزوج بكرا سواها، ولم ينم معها رجل في فراشها سواه، فناسب أن تخصص بهذه المزية، وأن تفرد بهذه الرتبة العلية. ولكن إذا كان أزواجه من أهل بيته، فقرابته أحق بهذه التسمية.
وهذا يشبه ما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال: "هو مسجدي هذا" . فهذا من هذا القبيل؛ فإن الآية إنما نـزلت في مسجد قُباء، كما ورد في الأحاديث الأخر. ولكن إذا كان ذاك أسّسَ على التقوى من أول يوم، فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بِتَسمِيَته بذلك، والله أعلم.
وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) أي بلطفه بكن بلغتن هذه المنـزلة، وبخبرته بكن وأنكن أهل لذلك، أعطاكن ذلك وخصكن بذلك. قال ابن جرير، رحمه الله واذكرن نعمة الله عليكن بأن جعلكن في بيوت تتلى فيها آيات الله والحكمة، فاشكرن الله على ذلك واحمدنه. ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) أي ذا لطف بكن، إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آياته والحكمة وهي السنة، خبيرًا بكنَّ إذ اختاركن لرسوله أزواجًا.

وقال قتادة: ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ) قال يمتنُّ عليهن بذلك. وقال غير واحد في قوله: ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ) يعني لطيف باستخراجها، خبير بموضعها.
اقرأ المزيد >>

الخميس، 20 أكتوبر 2011

وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ * اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (الشورى 16-18، تفسير ابن كثير، مجلد 6، صفحة 497)


يقول تعالى متوعدا الذين يصدون عن سبيل الله من آمن به ( وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ ) أي يجادلون المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله، ليصدوهم عما سلكوه من طريق الهدى، ( حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) أي باطلة عند الله، ( وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ ) أي منه، ( وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ) أي يوم القيامة.

قال بعض العلماء جادلوا المؤمنين بعد ما استجابوا لله ولرسوله، ليصدوهم عن الهدى، وطمعوا أن تعود الجاهلية. وقال قتادة هم اليهود والنصارى، قالوا لهم: ديننا خير من دينكم، ونبينا قبل نبيكم، ونحن خير منكم، وأولى بالله منكم. وقد كذبوا في ذلك.

ثم قال: ( اللَّهُ الَّذِي أَنـزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) يعني الكتب المنـزلة من عنده على أنبيائه ( والميزان )، وهو العدل والإنصاف، قاله مجاهد وقتادة. وهذه كقوله تعالى ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) (الحديد 25) وقوله ( وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ) (الرحمن 7-9).

وقوله ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ) فيه ترغيب فيها، وترهيب منها، وتزهيد في الدنيا. وقوله ( يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا ) أي يقولون ( مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (سبأ 29)، وإنما يقولون ذلك تكذيبا واستبعادا، وكفرا وعنادا، ( وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا ) أي خائفون وجلون من وقوعها ( وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ) أي كائنة لا محالة، فهم مستعدون لها عاملون من أجلها.

وفي الصحيح أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوت جَهْوَرِيّ، وهو في بعض أسفاره فناداه فقال: يا محمد. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من صوته "هاؤم"، فقال: متى الساعة؟، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويحك، إنها كائنة، فما أعددت لها؟"، فقال: حُب الله ورسوله، فقال: "أنت مع من أحببت".

فقوله في الحديث: "المرء مع من أحب"، هذا متواتر لا محالة، والغرض أنه لم يجبه عن وقت الساعة، بل أمره بالاستعداد لها.

وقوله ( أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ ) أي يحاجّون في وجودها ويدفعون وقوعها، ( لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ) أي في جهل بين؛ لأن الذي خلق السماوات والأرض قادر على إحياء الموتى بطريق الأولى والأحرى، كما قال ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) (الروم 27).
اقرأ المزيد >>

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (فاطر 15-17، تفسير ابن كثير، مجلد 6، صفحة 161)


يخبر تعالى بغنائه عما سواه، وبافتقار المخلوقات كلها إليه، وتذللها بين يديه، فقال ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ) أي هم محتاجون إليه في جميع الحركات والسكنات، وهو الغني عنهم بالذات؛ ولهذا قال ( وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) أي هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له، وهو الحميد في جميع ما يفعله ويقوله، ويقدره ويشرعه.

وقوله ( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ) أي لو شاء لأذهبكم أيها الناس وأتى بقوم غيركم، وما هذا عليه بصعب ولا ممتنع؛ ولهذا قال ( وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ).
اقرأ المزيد >>

الأحد، 16 أكتوبر 2011

وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ * وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (الزخرف 85،84، تفسير ابن كثير، مجلد 6، صفحة 561)


قوله ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأرْضِ إِلَهٌ ) أي هو إله من في السماء، وإله من في الأرض، يعبده أهلهما، وكلهم خاضعون له، أذلاء بين يديه ( وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ).

وهذه الآية كقوله تعالى ( وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ) (الأنعام 3) أي هو المدعو الله في السموات والأرض.

( وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ) أي هو خالقهما ومالكهما والمتصرف فيهما، بلا مدافعة ولا ممانعة، فسبحانه وتعالى عن الولد، وتبارك: أي استقر له السلامة من العيوب والنقائص؛ لأنه الرب العلي العظيم، المالك للأشياء، الذي بيده أَزِمَّة الأمور نقضا وإبراما، ( وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ) أي لا يجليها لوقتها إلا هو، ( وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) أي: فيجازي كلا بعمله، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.

اقرأ المزيد >>

الجمعة، 14 أكتوبر 2011

وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (الأعراف 181، تفسير ابن كثير، مجلد 2، صفحة 293)


يقول تعالى ( وَمِمَّنْ خَلَقْنَا ) أي ومن الأمم ( أُمًّةٌ ) قائمة بالحق، قولا وعملا ( يَهْدُونَ بِالْحَقِّ ) يقولونه ويدعون إليه، ( وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) يعملون ويقضون. وقد جاء في الآثار أن المراد بهذه الأمة المذكورة في الآية هي هذه الأمة المحمدية.
وفي الصحيحين، عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى تقوم الساعة" وفي رواية: "حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" وفي رواية: "وهم بالشام".
اقرأ المزيد >>

الأربعاء، 12 أكتوبر 2011

الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (النحل 29،28، تفسير ابن كثير، مجلد 4، صفحة 131)


يخبر تعالى عن حال المشركين الظالمي أنفسهم عند احتضارهم ومجيء الملائكة إليهم لقبض أرواحهم الخبيثة ( فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ) أي أظهروا السمع والطاعة والانقياد قائلين ( مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ ) كما يقولون يوم المعاد ( وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) (الأنعام 23) ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ) (المجادلة 18).

قال الله مكذبا لهم في قيلهم ذلك ( بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) أي بئس المقيل والمقام والمكان من دار هوان، لمن كان متكبرًا عن آيات الله واتباع رسله. وهم يدخلون جهنم من يوم مماتهم بأرواحهم، ويأتي أجسادهم في قبورها من حرِّها وسمومها، فإذا كان يوم القيامة سلكت أرواحهم في أجسادهم، وخلدت في نار جهنم ( لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا ) (فاطر 36)، كما قال الله تعالى ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) (غافر 46)
اقرأ المزيد >>

الاثنين، 10 أكتوبر 2011

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (الأنفال 16،15، تفسير ابن كثير، مجلد 2، صفحة 347)


يقول تعالى متوعدًا على الفرار من الزحف بالنار لمن فعل ذلك ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا ) أي تقاربتم منهم ودنوتم إليهم، ( فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ ) أي: تفروا وتتركوا أصحابكم.( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ ) أي يفر بين يدي قرنه مكيدة؛ ليريه أنه قد خاف منه فيتبعه، ثم يكر عليه فيقتله، فلا بأس عليه في ذلك. قاله بعض العلماء. وقال الضحاك أن يتقدم عن أصحابه ليرى غِرَّةً من العدو فيصيبها( أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ ) أي فر من هاهنا إلى فئة أخرى من المسلمين، يعاونهم ويعاونوه فيجوز له ذلك، حتى ولو كان في سرية ففر إلى أميره أو إلى الإمام الأعظم، دخل في هذه الرخصة.

فأما إن كان الفرار لا عن سبب من هذه الأسباب، فإنه حرام وكبيرة من الكبائر، لما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات". قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتَّوَلِّي يوم الزحف ، وقَذْفِ المحصنات الغافلات المؤمنات"، ولهذا قال تعالى ( فَقَدْ بَاءَ ) أي رجع ( بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ ) أي مصيره ومنقلبه يوم ميعاده ( جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ).

وقد ذهب ذاهبون إلى أن الفرار إنما كان حراما على الصحابة؛ لأنه - يعني الجهاد - كان فرض عين عليهم. وقيل على الأنصار خاصة؛ لأنهم بايعوا على السمع والطاعة في المنشط والمكره. وقيل إنما المراد بهذه الآية أهل بدر خاصة، وهذا كله لا ينفي أن يكون الفرار من الزحف حراما على غير أهل بدر، وإن كان سبب النـزول فيهم، كما دل عليه حديث أبي هريرة المتقدم، من أن الفرار من الزحف من الموبقات، كما هو مذهب الجماهير، والله تعالى أعلم.
اقرأ المزيد >>

السبت، 8 أكتوبر 2011

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا (الشمس 11-15، تفسير ابن كثير، مجلد 8، صفحة 96)


يخبر تعالى عن ثمود أنهم كذبوا رسولهم، بسبب ما كانوا عليه من الطغيان والبغي. فأعقبهم ذلك تكذيبًا في قلوبهم بما جاءهم به رسولهم من الهدى واليقين.

( إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ) أي أشقى القبيلة، هو " قُدَار بن سالف " عاقرُ الناقة، وهو أحيمر ثمود، وهو الذي قال تعالى فيه ( فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ ) (القمر 29). وكان هذا الرجل عزيزًا فيهم، شريفًا في قومه، نسيبًا رئيسًا مطاعًا.

عن عبد الله بن زَمْعَةَ قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الناقة، وذكر الذي عقرها، فقال: " (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ) انبعث لها رجل عارم عزيز منيع في رهطه، مثل أبي زمعة ".

وقوله (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ) يعني صالحًا، عليه السلام (نَاقَةُ اللَّهِ ) أي احذروا ناقة الله أن تمسوها بسوء، (وَسُقْيَاهَا ) أي لا تعتدوا عليها في سقياها، فإن لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم. (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا ) أي كذبوه فيما جاءهم به فأعقبهم ذلك أن عقروا الناقة التي أخرجها الله من الصخرة آية لهم وحجة عليهم، (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ ) أي غضب عليهم، فدمر عليهم، (فَسَوَّاهَا ) أي فجعل العقوبة نازلة عليهم على السواء.

(وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا ) وقرئ " فلا يخاف " (عقباها ) قال غير واحد لا يخاف الله من أحد تبعة.
اقرأ المزيد >>

الخميس، 6 أكتوبر 2011

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (الشمس 1-10، تفسير ابن كثير، مجلد 8، صفحة 96)


قال مجاهد ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ) أي وضوئها. وقيل ( وَضُحَاهَا ) النهار كله. ( وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا ) تبعها. ( وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا ) أضاء. وقيل إذا غشيها. قال ابن جرير وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى والنهار إذا جلا الظلمة، لدلالة الكلام عليها. قلت ولو أن هذا القائل تأول ذلك بمعنى ( وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا ) أي البسيطة، لكان أولى، ويصح تأويله في قول الله تعالى ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ) فكان أجود وأقوى، والله أعلم. وقيل ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ) يعني إذا يغشى الشمس حين تغيب، فتظلم الآفاق.

وقوله ( وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ) يحتمل أن تكون "ما" هاهنا مصدرية، بمعنى والسماء وبنائها. وهو قول قتادة، ويحتمل أن تكون بمعنى "مَن" يعني والسماء وبانيها. وهو قول مجاهد، وكلاهما متلازم، والبناء هو الرفع، كقوله ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ أي: بقوة وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ) (الذاريات 47، 48). وهكذا قوله ( وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا ) قيل (طَحَاهَا ) دحاها. وقيل أي خلق فيها. وقال الأكثرون (طَحَاهَا ) بسطها.

وقوله (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ) أي خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة، كما قال تعالى ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ) (الروم 30)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جَمْعَاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ ". وعن عياض بن حمار المجاشعي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله عز وجل: إني خلقت عبادي حُنَفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم" .

وقوله تعالى (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) أي فأرشدها إلى فجورها وتقواها، أي بين لها ذلك، وهداها إلى ما قدر لها. قال ابن عباس: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) بين لها الخير والشر. وقال سعيد بن جبير ألهمها الخير والشر. وقال ابن زيد جعل فيها فجورها وتقواها.

وعن أبي الأسود الدّيلي قال: قال لي عمران بن حصين أرأيت ما يعمل فيه الناس ويتكادحون فيه، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قَدَر قد سبق، أو فيما يُستَقبَلُون مما أتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم، وأكدت عليهم الحجة؟ قلت بل شيء قضي عليهم، قال فهل يكون ذلك ظلمًا؟ قال ففزعت منه فزعًا شديدًا، قال: قلت له ليس شيء إلا وهو خَلقُه وملْك يَده، لا يسألُ عما يفعل وهم يسألون، قال: سددك الله، إنما سألت لأخبر عقلك، إن رجلا من مُزَينة أو جهينة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قَدر قد سبق، أم شيء مما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم، وأكدت به عليهم الحجة؟ قال: "بل شيء قد قضي عليهم". قال: ففيم نعمل؟ قال: "من كان الله خلقه لإحدى المنـزلتين يُهَيِّئه لها، وتصديق ذلك في كتاب الله: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)  ".

وقوله (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) يحتمل أن يكون المعنى قد أفلح من زكى نفسه، أي بطاعة الله، وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل. كقوله تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) (الأعلى 14،15).

( وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) أي دسسها، أي أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهُدَى، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله عز وجل.
وقد يحتمل أن يكون المعنى قد أفلح من زكى الله نفسه، وقد خاب من دَسَّى الله نفسه. عن زيد بن أرقم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " اللهم، إني أعوذ بك من العجز والكَسَل والهرم، والجُبن والبخل وعذاب القبر. اللهم، آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم، إني أعوذ بك من قَلْب لا يخشع، ومن نَفْس لا تشبع، وعِلْم لا ينفع، ودعوة لا يستجاب لها ". قال زيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمناهن ونحن نعلمكوهن.
اقرأ المزيد >>

الثلاثاء، 4 أكتوبر 2011

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (الأعراف 179، تفسير ابن كثير، مجلد 2، صفحة 293)



يقول تعالى ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا ) أي خلقنا وجعلنا ( لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ ) أي هيأناهم لها وبعمل أهلها يعملون، فإنه تعالى لما أراد أن يخلق الخلق، علم ما هم عاملون قبل كونهم، فكتب ذلك عنده في كتاب قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، كما ورد في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء ".

وعن عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، أنها قالت دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار، فقلت: يا رسول الله طوبى له، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل السوء ولم يدركه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك يا عائشة؟ إن الله خلق الجنة، وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار، وخلق لها أهلا وهم في أصلاب آبائهم ".

وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ثم يبعث إليه الملك، فيؤمر بأربع كلمات، فيكتب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد". والأحاديث في هذا كثيرة، ومسألة القدر كبيرة ليس هذا موضع بسطها.

وقوله تعالى ( لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا ) يعني ليس ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله سببا للهداية كما قال تعالى ( وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ) (الأحقاف 26) وقال تعالى ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) (البقرة 18) هذا في حق المنافقين، وقال في حق الكافرين ( صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) (البقرة 171) ولم يكونوا صمًا بكمًا عميًا إلا عن الهدى، كما قال تعالى ( وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) (الأنفال 23)، وقال ( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) (الحج 46)، وقال ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) ( الزخرف 36،37).

وقوله تعالى ( أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ ) أي هؤلاء الذين لا يسمعون الحق ولا يعونه ولا يبصرون الهدى، كالأنعام السارحة التي لا تنتفع بهذه الحواس منها إلا في الذي يعيشها من ظاهر الحياة الدنيا كما قال تعالى ( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً ) (البقرة 171) أي ومثلهم في حال دعائهم إلى الإيمان كمثل الأنعام إذا دعاها راعيها لا تسمع إلا صوته، ولا تفقه ما يقول؛ ولهذا قال في هؤلاء: ( بَلْ هُمْ أَضَلُّ ) أي من الدواب؛ لأن الدواب قد تستجيب مع ذلك لراعيها إذا أبس بها، وإن لم تفقه كلامه، بخلاف هؤلاء؛ ولأن الدواب تفقه ما خلقت له إما بطبعها وإما بتسخيرها، بخلاف الكافر فإنه إنما خلق ليعبد الله ويوحده، فكفر بالله وأشرك به؛ ولهذا من أطاع الله من البشر كان أشرف من مثله من الملائكة في معاده، ومن كفر به من البشر، كانت الدواب أتم منه؛ ولهذا قال تعالى ( أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ).
اقرأ المزيد >>

الأحد، 2 أكتوبر 2011

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (الكهف 110، تفسير ابن كثير، مجلد 4، صفحة 333)

يقول لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ( قُلْ ) لهؤلاء المشركين المكذبين برسالتك إليهم ( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) فمن زعم أني كاذب، فليأت بمثل ما جئت به، فإني لا أعلم الغيب فيما أخبرتكم به من الماضي، عما سألتم من قصة أصحاب الكهف، وخبر ذي القرنين، مما هو مطابق في نفس الأمر، لولا ما أطلعني الله عليه، وأنا أخبركم ( أَنَّمَا إِلَهُكُمْ ) الذي أدعوكم إلى عبادته، ( إِلَهٌ وَاحِدٌ ) لا شريك له، ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ ) أي ثوابه وجزاءه الصالح، ( فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا ) ، وهو ما كان موافقًا لشرع الله ( وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له، وهذان ركنا العمل المتقبل. لا بد أن يكون خالصًا لله، صوابُا على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، يرويه عن ربه، عز وجل، أنه قال: "أنا خير الشركاء، فمن عمل عملا أشرك فيه غيري، فأنا منه برئ، وهو للذي أشرك" .
وعن محمود بن لبيد؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر". قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: "الرياء، يقول الله يوم القيامة إذا جزي الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟".
وعن أبي بكرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سمَّع سمَّع الله به، ومن راءى راءى الله به".
اقرأ المزيد >>