الثلاثاء، 25 فبراير 2014

لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ (النور 12)

هذه الآية من آيات تأديب الله للمؤمنين، فهذه الآيه نزلت لتوبيخ عصبة الإفك من المؤمنين وتعنيفهم بعد أن سماه الله إفكاً، حين أفاض بعضهم في ذلك الكلام السيئ.

لو تدبرت الآية لوجدت بها كلمة عجيبة وهي كلمة "بِأَنفُسِهِمْ" في مقابلة " الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ"، ولعل الانسان يظن أنه كان يجب ان يحل محلها "بغيرهم" أو "بإخوانهم".

ولكن جاءت كلمة "بِأَنفُسِهِمْ" لتعبر عن أسمى ألوان الدعوة إلى غرس روح المحبة والمودة والإخاء الصادق بين المؤمنين، حتى لكأن الذى يظن السوء بغيره إنما ظنه بنفسه.

 ولتبين ان الاشتراك في الإيمان يقتضي أن لا يصدق مؤمن على أخيه وأخته في الدين ولا مؤمنة على أخيها وأختها في الدين قول عائب ولا طاعن.

وفيه تنبيه على أن حق المؤمن إذا سمع مقالة في مؤمن أن يبني الأمر فيها على الظن لا على الشك ثم ينظر في قرائن الأحوال وصلاحية المقام فإذا نسب سوءٌ إلى من عُرف بالخير ظن أن ذلك إفك وبهتان حتى يتضح البرهان.

وفيه تعريض بأن ظن السوء الذي وقع هو من خصال النفاق التي سرت لبعض المؤمنين عن غرور وقلة بصارة فكفى بذلك تشنيعاً له.

ولقد فعل المؤمنون الصادقون ذلك ، فها هو ذا أبو ايوب خالد بن زيد الأنصارى ، قالت له امرأته أم أيوب : يا أبا أيوب ، أما تسمع ما يقوله الناس فى عائشة - رضى الله عنها -؟ قال : نعم ، وذلك الكذب . أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت : لا . والله ما كنت لأفعله . قال: فعائشة والله خير منك .

وفى رواية أن أبا أيوب قال لزوجته أم أيوب : ألا ترين ما يقال؟ فقالت له : لو كنت بدل صفوان أكنت تظن بحرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم سوءا؟ قال : لا ، فقالت : ولو كنت أنا بدل عائشة - رضى الله عنها - ما خنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعائشة خير منى، وصفوان خير منك .

وهكذا المؤمنون الأطهار الأخيار ، يبنون أمورهم على حسن الظن بالناس .


ورحم الله صاحب الانتصاف . فقد علق على ما قالته أم أيوب لزوجها فقال: ولقد ألهمت - أم أيوب - بنور الإيمان إلى هذا السر الذى انطوى عليه التعبير عن الغير من المؤمنين بالنفس ، فإنها نزلت زوجها منزلة صفوان ونفسها منزلة عائشة ، ثم أثبتت لنفسها ولزوجها البراءة والأمانة ، حتى أثبتتها لصفوان وعائشة بالطريق الأولى رضى الله عنها.
اقرأ المزيد >>