الخميس، 19 مايو 2011

إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (الأنعام 159، تفسير ابن كثير، مجلد 2، صفحة 59)





قال مجاهد، وقتادة، والضحاك، والسُّدِّي نـزلت هذه الآية في اليهود والنصارى.

وقال العَوْفي، عن ابن عباس في قوله ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ) وذلك أن اليهود والنصارى اختلفوا قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فتفرقوا. فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم أنـزل ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) الآية.

وقال ابن جرير حدثني سعد بن عَمْرو السكوني، حدثنا بَقِيَّة بن الوليد كتب إليّ عباد بن كثير، حدثني لَيْث، عن طاوس، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن في هذه الأمَّة ( الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ) وليسوا منك، هم أهل البدع، وأهل الشبهات، وأهل الضلالة، من هذه الأمة".

لكن هذا الإسناد لا يصح، فإن عباد بن كثير متروك الحديث، ولم يختلق هذا الحديث، ولكنه وَهَم في رفعه. فإنه رواه سفيان الثوري، عن ليث - وهو ابن أبي سليم - عن طاوس، عن أبي هريرة، في قوله ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ) قال نـزلت في هذه الأمة.

وقال أبو غالب، عن أبي أمامة، في قوله ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ) قال هم الخوارج. وروى عنه مرفوعًا، ولا يصح.

وقال شعبة، عن مُجالد، عن الشعبي، عن شُرَيْح، عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ) قال "هم أصحاب البدع". وهذا رواه ابن مَرْدُوَيه، وهو غريب أيضًا ولا يصح رفعه.

والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفًا له، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق، فمن اختلف فيه ( وَكَانُوا شِيَعًا ) أي فرقًا كأهل الملل والنحل - وهي الأهواء والضلالات - فالله قد بَرَّأ رسوله مما هم فيه. وهذه الآية كقوله تعالى ( شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) ( الشورى 13 )، وفي الحديث "نحن معاشر الأنبياء أولاد عَلات، ديننا واحد".

فهذا هو الصراط المستقيم، وهو ما جاءت به الرسل، من عبادة الله وحده لا شريك له، والتمسك بشريعة الرسول المتأخر، وما خالف ذلك فضلالات وجهالات وآراء وأهواء، الرسل بُرآء منها، كما قال ( لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ).

وقوله ( إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) كقوله ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) ( الحج 17 ).

0 comments:

إرسال تعليق