الجمعة، 8 يوليو 2011

لإِيلافِ قُرَيْشٍ * إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (قريش، تفسير ابن كثير، مجلد 8، صفحة 158)

هذه السورة مفصولة عن التي قبلها في المصحف الإمام، كتبوا بينهما سطر( بسم الله الرحمن الرحيم ) وإن كانت متعلقة بما قبلها، كما صرح بذلك محمد بن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم؛ لأن المعنى عندهما: حبسنا عن مكة الفيل وأهلكنا أهله (لإيلافِ قُرَيْشٍ ) أي لائتلافهم واجتماعهم في بلدهم آمنين.

وقيل المراد بذلك ما كانوا يألفونه من الرحلة في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام في المتاجر وغير ذلك، ثم يرجعون إلى بلدهم آمنين في أسفارهم؛ لعظمتهم عند الناس، لكونهم سكان حرم الله، فمن عَرَفهم احترمهم، بل من صوفي إليهم وسار معهم أمن بهم. هذا حالهم في أسفارهم ورحلتهم في شتائهم وصيفهم. وأما في حال إقامتهم في البلد، فكما قال الله ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ) (العنكبوت 67) ولهذا قال (لإيلافِ قُرَيْشٍ ) بدل من الأول ومفسر له. ولهذا قال ( إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ).

وقال ابن جرير الصواب أن اللام لام التعجب، كأنه يقول: اعجبوا لإيلاف قريش ونعمتي عليهم في ذلك. قال وذلك لإجماع المسلمين على أنهما سورتان منفصلتان مستقلتان.

ثم أرشدهم إلى شكر هذه النعمة العظيمة فقال: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ) أي فليوحدوه بالعبادة، كما جعل لهم حرما آمنا وبيتا محرما، كما قال تعالى ( إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (النمل 91).

وقوله (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ ) أي هو رب البيت، وهو الَّذِي أَطْعمهم من جوع ( وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ) أي تفضل عليهم بالأمن والرخص فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له، ولا يعبدوا من دونه صنمًا ولا ندا ولا وثنًا. ولهذا من استجاب لهذا الأمر جَمَع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة، ومن عصاه سلبهما منه، كما قال تعالى ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ) (النحل 112-113).

0 comments:

إرسال تعليق