الخميس، 11 أغسطس 2011

ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ * كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ (ص 1-3، تفسير ابن كثير، مجلد 6، صفحة 252)


قوله: ( وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ) أي: والقرآن المشتمل على ما فيه ذكر للعباد ونفع لهم في المعاش والمعاد. قال الضحاك في قوله: ( ذِي الذِّكْرِ ) كقوله: ( لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ) (الأنبياء 10) أي: تذكيركم. وقال أخرون ( ذِي الذِّكْرِ ) ذي الشرف وقيل: ذي الشأن والمكانة. ولا منافاة بين القولين، فإنه كتاب شريف مشتمل على التذكير والإعذار والإنذار.

واختلفوا في جواب هذا القسم فقال بعضهم: هو قوله: ( إِنْ كُلٌّ إِلا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ ) (ص 14). وقيل قوله: ( إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ) (ص 64) حكاهما ابن جرير وهذا الثاني فيه بعد كبير، وضعفه ابن جرير. وقال قتادة: جوابه: ( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ) واختاره ابن جرير. وقيل: جوابه ما تضمنه سياق السورة بكمالها، والله أعلم .

وقوله: ( بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ) أي: إن في هذا القرآن لذكرى لمن يتذكر، وعبرة لمن يعتبر. وإنما لم ينتفع به الكافرون لأنهم ( فِي عِزَّةٍ ) أي: استكبار عنه وحمية ( وَشِقَاقٍ ) أي: مخالفة له ومعاندة ومفارقة. ثم خوفهم ما أهلك به الأمم المكذبة قبلهم بسبب مخالفتهم للرسل وتكذيبهم الكتب المنـزلة من السماء فقال تعالى: ( كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ ) أي: من أمة مكذبة، ( فَنَادَوْا ) أي: حين جاءهم العذاب استغاثوا وجأروا إلى الله. وليس ذلك بمجد عنهم شيئا. كما قال تعالى: ( فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ ) (الأنبياء 12) أي: يهربون، ( لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ) (الأنبياء 13)

وقوله تعالى: ( فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ ) عن ابن عباس قال: ليس بحين نداء، ولا نـزو ولا فرار، وقيل ليس بحين مغاث. وقيل أيضاً نادوا النداء حين لا ينفعهم، وقال عدد من العلماء: ( فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ ) ليس بحين فرار ولا إجابة. وهذه الكلمة وهي "لات" هي "لا" التي للنفي، زيدت معها "التاء" كما تزاد في "ثم" فيقولون: "ثمت"، و "رب" فيقولون: "ربت". وهي مفصولة والوقف عليها.

0 comments:

إرسال تعليق