الأحد، 18 سبتمبر 2011

وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا * وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا * وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (النساء 2-4، تفسير ابن كثير، مجلد 8، صفحة 294)


يأمر تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحُلُم كاملة موفرة، وينهى عن أكلها وضَمِّها إلى أموالهم؛ ولهذا قال ( وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ) قال بعض أهل العلم لا تعْجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الرزق الحلال الذي قدر لك. وقيل لا تبَدَّلوا الحرام من أموال الناس بالحلال من أموالكم، يقول لا تبذروا أموالكم الحلال وتأكلوا أموالهم الحرام. وقيل لا تُعْط مهزولا وتأخذ سمينا. وقيل لا تعط زائفًا وتأخذ جيدًا.

وقال السُّدِّي كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غَنم اليتيم، ويجعل فيها مكانها الشاة المهزولة، ويقول شاة بشاة، ويأخذ الدرهم الجَيِّد ويطرح مكانه الزّيْف، ويقول درهم بدرهم.

وقوله ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ ) أي لا تخلطوها فتأكلوها جميعا. وقوله ( إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ) أي إثمًا كبيرًا عظيما. والمعنى إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم وخطأ كبير فاجتنبوه.

وقوله ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى ) أي إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة وخاف ألا يعطيها مهر مثلها، فليعدل إلى ما سواها من النساء، فإنهن كثير، ولم يضيق الله عليه.

وعن عائشة أن رجلا كانت له يتيمة فنكحها، وكان لها عَذْق. وكان يمسكها عليه، ولم يكن لها من نفسه شيء فنزلت فيه ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ) أحسبه قال كانت شريكَتَه في ذلك العَذْق وفي ماله.

وعن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى ) قالت يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تَشْرَكه في ماله ويعجبُه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يَقْسِط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن، ويبلغُوا بهنَّ أعلى سُنتهنَّ في الصداق، وأمِروا أن ينكحُوا ما طاب لهم من النساء سواهُنَّ. قال عروة قالت عائشة وإن الناس استفْتَوْا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية، فأنزل الله تعالى ( وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ ) قالت عائشة وقولُ الله في الآية الأخرى ( وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ ) (النساء 127) رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال. فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله من يتامى النساء إلا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهن إذا كُن قليلات المال والجمال .

وقوله (مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ ) أي انكحوا ما شئتم من النساء سواهن إن شاء أحدكم ثنتين، وإن شاء ثلاثا، وإن شاء أربعا، قال ابن عباس وجمهور العلماء؛ المقام مقام امتنان وإباحة، فلو كان يجوز الجمع بين أكثر من أربع لذكره. قال الشافعي: وقد دَلَّت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبينة عن الله أنه لا يجوز لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين أكثر من أربع نسوة. وهذا الذي قاله الشافعي، رحمه الله، مجمع عليه بين العلماء، إلا ما حُكي عن طائفة من الشيعة أنه يجوز الجمع بين أكثر من أربع إلى تسع. وقال بعضهم بلا حصر. وقد يتمسك بعضهم بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في جمعه بين أكثر من أربع إلى تسع كما ثبت في الصحيح، وهذا عند العلماء من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره من الأمة.

وقوله ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) أي فإن خشيتم من تعداد النساء ألا تعدلوا بينهن، كما قال تعالى ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ) (النساء 129) فمن خاف من ذلك فيقتصر على واحدة، أو على الجواري السراري، فإنه لا يجب قسم بينهن، ولكن يستحب، فمن فعل فحسن، ومن لا فلا حرج.

وقوله ( ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا ) قال بعضهم ذلك أدنى ألا تكثر عائلتكم. وهذا مأخوذ من قوله تعالى ( وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً أي فقرًا فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (التوبة 28) وقال الشاعر:

فمــا يَــدري الفقـير متـى غنـاه            ومَــا يَــدرِي الغَنـيُّ متـى يعيـل

وتقول العرب عال الرجل يعيل عَيْلة، إذا افتقر ولكن في هذا التفسير هاهنا نظر؛ فإنه كما يخشى كثرة العائلة من تعداد الحرائر، كذلك يخشى من تعداد السراري أيضا. والصحيح قول الجمهور ( ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا ) أي لا تجوروا. يقال عال في الحكم إذا قَسَط وظلم وجار، وقال أبو طالب في قصيدته المشهورة:

بميــزان قسطٍ لا يَخيـس شعيرة          له شــاهد من نفسه غيـر عـائل

وقوله ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ) نحلة: فريضة. وقال ابن زيد النحلة في كلام العرب الواجب، يقول لا تنكحها إلا بشيء واجب لها، وليس ينبغي لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكح امرأة إلا بصداق واجب، ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذبا بغير حق.

ومضمون كلامهم أن الرجل يجب عليه دفع الصداق إلى المرأة حَتمًا، وأن يكون طيب النفس بذلك، كما يمنح المنيحة ويعطي النحلة طيبًا، كذلك يجب أن يعطي المرأة صداقها طيبا بذلك، فإن طابت هي له به بعد تسميته أو عن شيء منه فليأكله حلالا طيبًا؛ ولهذا قال تعالى ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا  ).

0 comments:

إرسال تعليق