الخميس، 20 أكتوبر 2011

وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ * اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (الشورى 16-18، تفسير ابن كثير، مجلد 6، صفحة 497)


يقول تعالى متوعدا الذين يصدون عن سبيل الله من آمن به ( وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ ) أي يجادلون المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله، ليصدوهم عما سلكوه من طريق الهدى، ( حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) أي باطلة عند الله، ( وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ ) أي منه، ( وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ) أي يوم القيامة.

قال بعض العلماء جادلوا المؤمنين بعد ما استجابوا لله ولرسوله، ليصدوهم عن الهدى، وطمعوا أن تعود الجاهلية. وقال قتادة هم اليهود والنصارى، قالوا لهم: ديننا خير من دينكم، ونبينا قبل نبيكم، ونحن خير منكم، وأولى بالله منكم. وقد كذبوا في ذلك.

ثم قال: ( اللَّهُ الَّذِي أَنـزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) يعني الكتب المنـزلة من عنده على أنبيائه ( والميزان )، وهو العدل والإنصاف، قاله مجاهد وقتادة. وهذه كقوله تعالى ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) (الحديد 25) وقوله ( وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ) (الرحمن 7-9).

وقوله ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ) فيه ترغيب فيها، وترهيب منها، وتزهيد في الدنيا. وقوله ( يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا ) أي يقولون ( مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) (سبأ 29)، وإنما يقولون ذلك تكذيبا واستبعادا، وكفرا وعنادا، ( وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا ) أي خائفون وجلون من وقوعها ( وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ ) أي كائنة لا محالة، فهم مستعدون لها عاملون من أجلها.

وفي الصحيح أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوت جَهْوَرِيّ، وهو في بعض أسفاره فناداه فقال: يا محمد. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من صوته "هاؤم"، فقال: متى الساعة؟، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويحك، إنها كائنة، فما أعددت لها؟"، فقال: حُب الله ورسوله، فقال: "أنت مع من أحببت".

فقوله في الحديث: "المرء مع من أحب"، هذا متواتر لا محالة، والغرض أنه لم يجبه عن وقت الساعة، بل أمره بالاستعداد لها.

وقوله ( أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ ) أي يحاجّون في وجودها ويدفعون وقوعها، ( لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ) أي في جهل بين؛ لأن الذي خلق السماوات والأرض قادر على إحياء الموتى بطريق الأولى والأحرى، كما قال ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) (الروم 27).

0 comments:

إرسال تعليق