الأحد، 30 أكتوبر 2011

فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (الروم 17-19، تفسير ابن كثير، مجلد 5، صفحة 359)


هذا تسبيح منه تعالى لنفسه المقدسة، وإرشاد لعباده إلى تسبيحه وتحميده، في هذه الأوقات المتعاقبة الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه، عند المساء وهو إقبال الليل بظلامه، وعند الصباح وهو إسفار النهار عن ضيائه.

ثم اعترض بحمده مناسبة للتسبيح وهو التحميد، فقال ( وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) أي هو المحمود على ما خلق في السماوات والأرض.

ثم قال: ( وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ) فالعشاء هو شدة الظلام، والإظهار قوة الضياء. فسبحان خالق هذا وهذا، فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا، كما قال تعالى ( وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ) (الشمس 3،4)، وقال تعالى (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (الليل 1،2)، وقال (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) الضحى 1،2) والآيات في هذا كثيرة.

وقوله ( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ) هو ما نحن فيه من قدرته على خلق الأشياء المتقابلة. وهذه الآيات المتتابعة الكريمة كلها من هذا النمط، فإنه يذكر فيها خلقه الأشياء وأضدادها، ليدل خلقه على كمال قدرته، فمن ذلك إخراج النبات من الحب، والحب من النبات، والبيض من الدجاج، والدجاج من البيض، والإنسان من النطفة، والنطفة من الإنسان، والمؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن.
وقوله ( وَيُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ) كقوله تعالى ( وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ) (يس 33،34)، وقال تعالى ( وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ) (الحج 5-7)، وقال تعالى ( وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (الأعراف 57)؛ ولهذا قال هاهنا ( وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ).

0 comments:

إرسال تعليق