الأحد، 17 أبريل 2011

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (الأنفال 25،24، تفسير البغوي، مجلد 2، صفحة 247)



قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ) يقول أجيبوهما بالطاعة، ( إِذَا دَعَاكُمْ ) الرسول صلى الله عليه وسلم، ( لِمَا يُحْيِيكُمْ ) أي إلى ما يحييكم. قال السدي هو الإيمان، لأن الكافر ميت فيحيا بالإيمان. وقال قتادة هو القرآن فيه الحياة وبه النجاة والعصمة في الدارين. وقال مجاهد هو الحق. وقال ابن إسحاق هو الجهاد أعزكم الله به بعد الذل. وقال القتيبي بل الشهادة قال الله تعالى في الشهداء ( بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (آل عمران- 169).

وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على أبي بن كعب، رضي الله عنه، وهو يصلي، فدعاه فعجل أبي في صلاته، ثم جاء فقال رسول الله "ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟ قال كنت في الصلاة، قال أليس يقول الله عز وجل ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) ؟ فقال لا جرم يا رسول الله لا تدعوني إلا أجبت وإن كنت مصليا" .

قوله تعالى ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) قال سعيد بن جبير وعطاء يحول بين المؤمن والكفر، وبين الكافر والإيمان. وقال الضحاك يحول بين الكافر والطاعة، ويحول بين المؤمن والمعصية. وقال مجاهد يحول بين المرء وقلبه فلا يعقل ولا يدري ما يعمل. وقال السدي يحول بين الإنسان وقلبه فلا يستطيع أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه.

وقيل هو أن القوم لما دعوا إلى القتال في حالة الضعف ساءت ظنونهم واختلجت صدورهم فقيل لهم قاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه فيبدل الخوف أمنا والجبن جرأة. ( وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) فيجزيكم بأعمالكم.

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أن أحمد بن الحسن الحيري، أن حاجب بن أحمد الطوسي، أن محمد بن حماد، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان رسول الله يكثر أن يقول "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"، قالوا يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال "القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها" .

( وَاتَّقُوا فِتْنَةً ) اختبارا وبلاء ( لا تُصِيبَنَّ ) قوله "لا تصيبن" ليس بجزاء محض، ولو كان جزاء لم تدخل فيه النون، لكنه نفي وفيه طرف من الجزاء كقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ ) (النمل -18) وتقديره واتقوا فتنة إن لم تتقوها أصابتكم، فهو كقول القائل انـزل عن الدابة لا تطرحنك، فهذا جواب الأمر بلفظ النهي، معناه إن تنـزل لا تطرحك.

قال المفسرون نـزلت هذه الآية في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعناه اتقوا فتنة تصيب الظالم وغير الظالم.

قال الحسن نـزلت في علي وعمار وطلحة والزبير رضي الله عنهم. قال الزبير لقد قرأنا هذه الآية زمانا وما أرانا من أهلها فإذا نحن المعنيون بها، يعني ما كان يوم الجمل. وقال السدي ومقاتل والضحاك وقتادة هذا في قوم مخصوصين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابتهم الفتنة يوم الجمل .وقال ابن عباس أمر الله عز وجل المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بعذاب يصيب الظالم وغير الظالم .

أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة، أن أبو طاهر الحارثي، أن محمد بن يعقوب الكسائي، أن عبد الله بن محمود، أن إبراهيم بن عبد الله الخلال، ثنا عبد الله بن المبارك، عن سيف بن أبي سليمان ، قال سمعت عدي بن عدي الكندي يقول حدثني مولى لنا أنه سمع جدي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة". وقال ابن زيد أراد بالفتنة افتراق الكلمة ومخالفة بعضهم بعضا .

أخبرنا عبد الواحد المليحي، أن أحمد بن عبد الله النعيمي، أن محمد بن يوسف، ثنا محمد بن إسماعيل، ثنا أبو اليمان، أن شعيب، عن الزهري، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به".

قوله ( لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) يعني العذاب، ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )

0 comments:

إرسال تعليق