الخميس، 2 يونيو 2011

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا (الإسراء 18-21، تفسير ابن كثير، مجلد 4، صفحة 230)





يخبر تعالى أنه ما كل من طلب الدنيا وما فيها من النعيم يحصل له، بل إنما يحصل لمن أراد الله ما يشاء.

وهذه مقيدة لإطلاق ما سواها من الآيات فإنه قال ( عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا ) أي في الآخرة ( يَصْلاهَا ) أي يدخلها حتى تغمره من جميع جوانبه ( مَذْمُومًا ) أي في حال كونه مذمومًا على سوء تصرفه وصنيعه إذ اختار الفاني على الباقي ( مَدْحُورًا )  مبعدًا مقصيًا حقيرًا ذليلا مهانًا.

وقوله ( وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ ) أي أراد الدار الآخرة وما فيها من النعيم والسرور ( وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ) أي طلب ذلك من طريقه وهو متابعة الرسول ( وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) أي وقلبه مؤمن، أي مصدق بالثواب والجزاء ( فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ).

يقول تعالى ( كُلا ) أي كل واحد من الفريقين الذين أرادوا الدنيا والذين أرادوا الآخرة، نمدهم فيما هم فيه ( مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ) أي هو المتصرف الحاكم الذي لا يجور، فيعطي كلا ما يستحقه من الشقاوة والسعادة ولا راد لحكمه ولا مانع لما أعطى، ولا مغير لما أراد؛ ولهذا قال ( وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ) أي ممنوعا، أي لا يمنعه أحد ولا يرده راد. قيل ( مَحْظُورًا ) أي منقوصًا. وقيل ممنوعًا.

ثم قال تعالى ( انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ) في الدنيا، فمنهم الغني والفقير وبين ذلك، والحسن والقبيح وبين ذلك، ومن يموت صغيرًا، ومن يعمر حتى يبقى شيخًا كبيرًا، وبين ذلك ( وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا ) أي ولتفاوتهم في الدار الآخرة أكبر من الدنيا؛ فإن منهم من يكون في الدركات في جهنم وسلاسلها وأغلالها، ومنهم من يكون في الدرجات العُلَى في الجنة ونعيمها وسرورها، ثم أهل الدركات يتفاوتون فيما هم فيه، كما أن أهل الدرجات يتفاوتون، فإن الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض. وفي الصحيحين "إن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين، كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء"، ولهذا قال تعالى ( وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا ).

0 comments:

إرسال تعليق