الأحد، 12 يونيو 2011

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (فصلت 33-36، تفسير ابن كثير، مجلد 6، صفحة 438)

يقول تعالى ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ) أي دعا عباد الله إليه، ( وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) أي وهو في نفسه مهتد بما يقوله، فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومُتَعَدٍ، وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه، وينهون عن المنكر ويأتونه، بل يأتمر بالخير ويترك الشر، ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى. وهذه عامة في كل من دعا إلى خير، وهو في نفسه مهتد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك.

وقيل: المراد بها المؤذنون الصلحاء، كما ثبت في صحيح مسلم: "المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة".

والصحيح أن الآية عامة في المؤذنين وفي غيرهم، فأما حال نـزول هذه الآية فإنه لم يكن الأذان مشروعا بالكلية؛ لأنها مكية، والأذان إنما شرع بالمدينة بعد الهجرة، حين أريه عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري في منامه، فقصه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يلقيه على بلال فإنه أندى صوتا، كما هو مقرر في موضعه، فالصحيح إذًا أنها عامة، تلا الحسن البصري هذه الآية ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فقال هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خِيَرَة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحا في إجابته، وقال إنني من المسلمين، هذا خليفة الله.

وقوله ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ) أي فرق عظيم بين هذه وهذه، ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) أي من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه، كما قال عمر رضي الله عنه ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه.

وقوله ( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) وهو الصديق، أي إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك.

ثم قال ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا ) أي وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك، فإنه يشق على النفوس، ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) أي ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والأخرى.

عن ابن عباس في تفسير هذه الآية أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم.

وقوله ( وَإِمَّا يَنـزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نـزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ) أي إن شيطان الإنس ربما ينخدع بالإحسان إليه، فأما شيطان الجن فإنه لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك، فإذا استعذت بالله ولجأت إليه، كفه عنك ورد كيده. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يقول "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه".

وهذا المقام لا نظير له في القرآن إلا في "سورة الأعراف" عند قوله ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (الأعراف 199، 200)، وفي سورة المؤمنين عند قوله ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ) (المؤمنون 96-98).

0 comments:

إرسال تعليق