الثلاثاء، 26 يوليو 2011

مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (المائدة 103،104، تفسير ابن كثير، مجلد 1، صفحة 510)


عن سعيد بن المسيَّب قال " البحيرة " التي يُمْنَعُ درّها للطواغيت، فلا يَحْلبها أحد من الناس. و" السائبة " كانوا يسيبونَها لآلهتهم، لا يحمل عليها شيء، قال وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأيت عمْرَو بن عامر الخزاعي يجُرّ قُصْبَه في النار، كان أول من سيب السوائب "، و" الوصيلة " الناقة البكر، تُبَكّر في أول نتاج الإبل، ثم تُثَنّي بعد بأنثى، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم، إن وصلت إحْدَاهما بالأخرى ليس بينهما ذكَر. و" الحام " فحل الإبل يَضربُ الضرّابَ المعدود، فإذا قضى ضرابه وَدَعُوه للطواغيت، وأعفوه عن الحَمْل، فلم يُحْمَل عليه شيء، وسَمّوه الحامي.

و عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأيت جَهَنَّم يَحْطِمُ بعضها بعضًا، ورأيت عَمْرًا يجر قُصْبه، وهو أول من سيب السوائب ".

وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجَوْن " يا أكثم، رأيت عَمْرو بن لُحَيّ بن قَمعَةَ بن خِنْدف يجر قُصْبه في النار، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به، ولا به منك ". فقال أكثم تخشى أن يضرني شبهه يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا إنك مؤمن وهو كافر، إنه أول من غَيّر دين إبراهيم، وبحر البحيرة، وسيّب السائبة، وحمى الحامي ".

فعمرو هذا هو ابن لحي بن قَمَعَة، أحد رؤساء خزاعة، الذين ولَوا البيت بعد جَرْهم. وكان أول من غير دين إبراهيم الخليل، فأدخل الأصنام إلى الحجاز، ودعا الرعاع من الناس إلى عبادته أوالتقرب بها، وشرع لهم هذه الشرائع الجاهلية في الأنعام وغيرها، كما ذكره الله تعالى في سورة الأنعام، عند قوله تعالى ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا ) (الأنعام 36) إلى آخر الآيات في ذلك.

فأما البحيرة، فقيل أيضا هي الناقة إذا نتجت خمسة أبْطُن نظروا إلى الخامس، فإن كان ذكرًا ذبحوه، فأكله الرجال دون النساء. وإن كان أنثى جدعوا آذانها، فقالوا هذه بحيرة.

وأما السائبة، فقيل أيضاً هي من الغنم نحو ما فسر من البحيرة، إلا أنها ما ولدت من ولد كان بينها وبين ستة أولاد كان على هيئتها، فإذا ولدت السابع ذكرًا أو ذكرين، ذبحوه، فأكله رجالهم دون نسائهم.

وقيل السائبة هي الناقة إذا ولدت عشر إناث من الولد ليس بينهن ذكر، سُيّبت فلم تركب، ولم يُجَزّ وبرها، ولم يحلب لبنها إلا الضيف.

وأما الوصيلة، فقيل هي الشاة إذا نتجت سبعة أبطن نظروا إلى السابع، فإن كان ذكرًا أو أنثى وهو ميت اشترك فيه الرجال دون النساء، وإن كان أنثى استحيوها، وإن كان ذكرًا وأنثى في بطن استحيوهما وقالوا وصلته أخته فحرمته علينا.

وعن سعيد بن المسيب ( وَلا وَصِيلَةٍ ) قال فالوصيلة من الإبل، كانت الناقة تبتكر بأنثى، ثم تثنى بأنثى، فسموها الوصيلة، ويقولون وصلت أنثيين ليس بينهما ذكر، فكانوا يجدعونها لطواغيتهم.

وعن مالك بن نَضْلَة قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في خَلْقان من الثياب، فقال لي " هل لك من مال؟ " قلت نعم. قال " من أيّ المال؟ " قال فقلت من كل المال، من الإبل والغنم والخيل والرقيق. قال " فإذا آتاك الله مالا فلْيُرَ عليك ". ثم قال " تنتج إبلك وافية آذانها؟ " قال قلت نعم. قال " وهل تنتج الإبل إلا كذلك؟ " قال " فلعلك تأخذ الموسى فتقطع آذان طائفة منها وتقول هذه بحير، وتشق آذان طائفة منها، وتقول هذه حرم؟ " قلت نعم. قال " فلا تفعل، إن كل ما آتاك الله لك حل "، ثم قال ( مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ ).

وقوله ( وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ ) أي ما شرع الله هذه الأشياء ولا هي عنده قربة، ولكن المشركين افتروا ذلك وجعلوه شرعًا لهم وقربة يتقربون بها إليه. وليس ذلك بحاصل لهم، بل هو وبال عليهم.
( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنـزلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ) أي إذا دعوا إلى دين الله وشرعه وما أوجبه وتَرْك ما حرمه، قالوا يكفينا ما وجدنا عليه الآباءَ والأجداد من الطرائق والمسالك، قال الله تعالى ( أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا ) أي لا يفهمون حقًا، ولا يعرفونه، ولا يهتدون إليه، فكيف يتبعونهم والحالة هذه؟ لا يتبعهم إلا من هو أجهل منهم، وأضل سبيلا.

0 comments:

إرسال تعليق