الخميس، 28 يوليو 2011

تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (المسد، تفسير ابن كثير، مجلد 8، صفحة 167)



عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء، فصعد الجبل فنادى " يا صباحاه ". فاجتمعت إليه قريش، فقال " أرأيتم إن حَدثتكم أن العدوّ مُصبحكم أو مُمْسيكم، أكنتم تصدقوني؟  ". قالوا نعم. قال " فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديد ". فقال أبو لهب ألهذا جمعتنا؟ تبا لك. فأنـزل الله (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ) إلى آخرها .

وفي رواية فقام ينفض يديه، وهو يقول تبا لك سائر اليوم. ألهذا جمعتنا؟ فأنـزل الله ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ). الأول دعاء عليه، والثاني خبر عنه. فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه عبد العُزّى بن عبد المطلب، وكنيته أبو عُتبة. وإنما سمي "أبا لهب" لإشراق وجهه، وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغضة له، والازدراء به، والتنقص له ولدينه.

فقوله تعالى (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ) أي خسرت وخابت، وضل عمله وسعيه، (وَتَبَّ ) أي وقد تب تحقق خسارته وهلاكه.

وقوله (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ) يعني ولده.

وقوله (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ) أي ذات شرر ولهيب وإحراق شديد.

( وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ) وكانت زوجته من سادات نساء قريش، وهي أم جميل، واسمها أروى بنتُ حرب بن أمية، وهي أخت أبي سفيان. وكانت عونًا لزوجها على كفره وجحوده وعناده؛ فلهذا تكون يوم القيامة عَونًا عليه في عذابه في نار جهنم. ولهذا قال (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) يعني تحمل الحطب فتلقي على زوجها، ليزداد على ما هو فيه، وهي مُهَيَّأة لذلك مستعدة له.

( فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) من مَسد النار. وقيل (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ) كانت تمشي بالنميمة.وقيل كانت لها قلادة فاخرة فقالت لأنفقنها في عداوة محمد، يعني فأعقبها الله بها حبلا في جيدها من مسد النار. وقيل المسد الليف. وقيل المسد سلسلة ذرعها سبعون ذراعًا. وعن الثوري هو قلادة من نار، طولها سبعون ذراعًا.

قال العلماء وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة، فإنه منذ نـزل قوله تعالى (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان، لم يقيض لهما أن يؤمنا، ولا واحد منهما لا ظاهرًا ولا باطنًا، لا مسرًا ولا معلنًا، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة على النبوة الظاهرة.

0 comments:

إرسال تعليق