السبت، 2 يوليو 2011

وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ * وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (سبأ 34-39، تفسير ابن كثير، مجلد 6، صفحة 148)

يقول تعالى مسليا لنبيه صلى اله عليه وسلم، وآمرا له بالتأسي بمن قبله من الرسل، ومخبره بأنه ما بعث نبيا في قرية إلا كذبه مترفوها، واتبعه ضعفاؤهم، كما قال قوم نوح ( أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ ) ( الشعراء 111 )، ( وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ ) ( هود 27 )، وقال تعالى ( وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ) ( الأنعام 53)، وقال ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ) ( الأنعام 123 )، وقال عز وجل هاهنا ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ ) أي نبي أو رسول ( إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا )، وهم أولو النعمة والحشمة والثروة والرياسة. قال قتادة هم جَبَابرتهم وقادتهم ورؤوسهم في الشر ( إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ) أي لا نؤمن به ولا نتبعه.

وقوله تعالى إخبارا عن المترفين المكذبين ( وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) أي افتخروا بكثرة الأموال والأولاد، واعتقدوا أن ذلك دليل على محبة الله لهم واعتنائه بهم، وأنه ما كان ليعطيهم هذا في الدنيا، ثم يعذبهم في الآخرة، وهيهات لهم ذلك. قال الله تعالى ( أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ ) ( المؤمنون 55، 56 )، وقال ( فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) ( التوبة 55 ).

وقد أخبر الله عن صاحب تينك الجنتين أنه كان ذا مال وولد وثمر، ثم لم تُغن عنه شيئا، بل سُلب ذلك كله في الدنيا قبل الآخرة؛ ولهذا قال تعالى هاهنا ( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ) أي يعطي المال لمن يحب ومَنْ لا يحب، فيفقر مَنْ يشاء ويغني مَنْ يشاء، وله الحكمة التامة البالغة، والحجة الدامغة القاطعة ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ).

ثم قال ( وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى ) أي ليست هذه دليلا على محبتنا لكم، ولا اعتنائنا بكم. عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".

ولهذا قال ( إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ) أي إنما يقربكم عندنا زلفى الإيمان والعمل الصالح، ( فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا ) أي تضاعف لهم الحسنة بعشرة أمثالها، إلى سبعمائة ضعف ( وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ) أي في منازل الجنة العالية آمنون من كل بأس وخوف وأذى، ومن كل شر يُحْذَر منه.

( وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ ) أي يسعون في الصد عن سبيل الله، واتباع الرسل والتصديق بآياته، ( أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ) أي جميعهم مَجْزيون بأعمالهم فيها بحسبهم.

وقوله ( قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ) أي بحسب مَا لَه في ذلك من الحكمة، يبسط على هذا من المال كثيرا، ويضيق على هذا ويقتر على هذا رزقه جدًا، وله في ذلك من الحكمة ما لا يدركها غيره، كما قال تعالى ( انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا ) ( الإسراء 21 ) أي كما هم متفاوتون في الدنيا هذا فقير مدقع، وهذا غني مُوَسَّع عليه، فكذلك هم في الآخرة هذا في الغُرفات في أعلى الدرجات، وهذا في الغَمرَات في أسفل الدركات. وأطيب الناس في الدنيا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد أفلح مَنْ أسلم ورُزق كَفَافا، وقَنَّعه الله بما آتاه".

وقوله ( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ) أي مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب، كما ثبت في الحديث يقول الله تعالى "أنْفق أنْفق عليك" . وفي الحديث أن ملكين يَصيحان كل يوم، يقول أحدهما "اللهم أعط مُمْسِكا تَلَفًا"، ويقول الآخر "اللهم أعط منفقا خَلَفًا".

0 comments:

إرسال تعليق