يخبر تعالى عن أهل الجنة أنه أقبل بعضهم على بعض يتساءلون، أي عن أحوالهم، وكيف كانوا في الدنيا، وماذا كانوا يعانون فيها؟ وذلك من حديثهم على شرابهم، واجتماعهم في تنادمهم، ومعاشرتهم في مجالسهم، وهم جلوس على السرر، والخدم بين أيديهم، يسعون ويجيئون بكل خير عظيم، من مآكل ومشارب وملابس، وغير ذلك مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ( قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ) قيل يعني شيطانا، وقيل هو الرجل المشرك، يكون له صاحب من أهل الإيمان في الدنيا. ولا تنافي بين القولين، فإن الشيطان يكون من الجن فيوسوس في النفس، ويكون من الإنس فيقول كلاما تسمعه الأذنان، وكلاهما متعاديان، قال الله تعالى ( يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ) ( الأنعام112 )، وكل منهما يوسوس، كما قال تعالى ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ) ( سورة الناس ).
ولهذا ( قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ) أي أأنت تصدق بالبعث والنشور والحساب والجزاء؟! يعني يقول ذلك على وجه التعجب والتكذيب والاستبعاد والكفر والعناد. ( أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَءِنَّا لَمَدِينُونَ ) قيل لمحاسبون؟ وقيل لمجزيون بأعمالنا؟، وكلاهما صحيح.
قال ( قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ ) أي مشرفون. يقول المؤمن لأصحابه وجلسائه من أهل الجنة. ( فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ ) يعني في وسط الجحيم. وقال الحسن البصري في وسط الجحيم كأنه شهاب يتقد.
( قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ) يقول المؤمن مخاطبا للكافر والله إن كدت لتهلكني لو أطعتك. ( وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) أي ولولا فضل الله علي لكنت مثلك في سواء الجحيم حيث أنت، محضر معك في العذاب، ولكنه تفضل عليّ ورحمني فهداني للإيمان، وأرشدني إلى توحيده ( وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ) ( الأعراف43 ).
وقوله ( أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلا مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) هذا من كلام المؤمن مغبطاً نفسه بما أعطاه الله من الخلد في الجنة والإقامة في دار الكرامة، لا موت فيها ولا عذاب؛ ولهذا قال ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ).
وقوله ( لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ) قال قتادة هذا من كلام أهل الجنة. وقال ابن جرير هو من كلام الله تعالى، ومعناه لمثل هذا النعيم وهذا الفوز فليعمل العاملون في الدنيا، ليصيروا إليه في الآخرة .
هذه المدونة هي محاولة متواضعة مني لتيسير كتاب الله وفهم آياته، وذلك عند طريق نقل تفسير آيات القرآن الكريم من كتب التفسير المعتمده عند أهل السنة مثل تفسير الطبري وتفسير البغوي وتفسير ابن كثير وتفسير السعدي، عسى الله أن ينفعنا والمسلمين بما فيها.
الاثنين، 4 يوليو 2011
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَءِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (الصافات 50-61، تفسير ابن كثير، مجلد 6، صفحة 227)
Posted by
Mohannad El-Megharbel
at
10:59 ص
إرسال بالبريد الإلكترونيكتابة مدونة حول هذه المشاركةالمشاركة في Twitterالمشاركة في Facebookالمشاركة على Pinterest
Labels:
الصافات,
تفسير ابن كثير
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 comments:
إرسال تعليق