الجمعة، 2 سبتمبر 2011

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة 62، تفسير ابن كثير، مجلد 1، صفحة 149)


لما بين الله تعالى حال من خالف أوامره وارتكب زواجره، وتعدى في فعل ما لا إذن فيه وانتهك المحارم، وما أحلّ بهم من النكال، نبه تعالى على أن مَنْ أحسن من الأمم السالفة وأطاع، فإن له جزاء الحسنى، وكذلك الأمر إلى قيام الساعة؛ كُلّ من اتبع الرسول النبي الأمي فله السعادة الأبدية، ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه، ولا هُمْ يحزنون على ما يتركونه ويخلفونه، كما قال تعالى ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (يونس 62) وكما تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار في قوله  ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) فصلت 30).

واليهود من الهوادة وهي المودة أو التهود وهي التوبة؛ كقول موسى، عليه السلام: ( إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ) (الأعراف 156) أي: تبنا، فكأنهم سموا بذلك في الأصل لتوبتهم ومودتهم في بعضهم لبعض. وقيل لنسبتهم إلى يهودا أكبر أولاد يعقوب عليه السلام، وقال أبو عمرو بن العلاء لأنهم يتهودون، أي يتحركون عند قراءة التوراة.

فلما بعث عيسى صلى الله عليه وسلم وجب على بني إسرائيل اتباعه والانقياد له، فأصحابه وأهل دينه هم النصارى، وسموا بذلك لتناصرهم فيما بينهم، وقد يقال لهم:أنصار أيضًا، كما قال عيسى، عليه السلام ( مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ) (آل عمران 52) وقيل إنهم إنما سُمّوا بذلك من أجل أنهم نـزلوا أرضًا يقال لها ناصرة.

والنصارى جمع نصران كنشاوى جمع نشوان، وسكارى جمع سكران، ويقال للمرأة نصرانة، قال الشاعر:  نصرانـة لم تَحَنَّـفِ

فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتمًا للنبيين، ورسولا إلى بني آدم على الإطلاق، وجب عليهم تصديقُه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانكفاف عما عنه زجر. وهؤلاء هم المؤمنون حقا . وسميت أمة محمد صلى الله عليه وسلم مؤمنين لكثرة إيمانهم وشدة إيقانهم، ولأنهم يؤمنون بجميع الأنبياء الماضية والغيوب الآتية. وأما الصابئون فقد اختلف فيهم؛ فقيل الصابئون قوم بين المجوس واليهود والنصارى، ليس لهم دين. وقيل إنهم كالمجوس، فقال الحكم: ألم أخبركم بذلك. وقيل هم قوم يعبدون الملائكة.

وسئل وهب بن منبه عن الصابئين، فقال: الذي يعرف الله وحده، وليست له شريعة يعمل بها ولم يحدث كفرًا. وفي قول آخر الصابئون أهل دين من الأديان، كانوا بجزيرة الموصل

وأظهر الأقوال - والله أعلم - قول من قال أنهم قوم ليسوا على دين اليهود ولا النصارى ولا المجوس ولا المشركين، وإنما هم قوم باقون على فطرتهم ولا دين مقرر لهم يتبعونه ويقتفونه؛ ولهذا كان المشركون ينبزون من أسلم بالصابئي، أي أنه قد خرج عن سائر أديان أهل الأرض إذ ذاك. وقال بعض العلماء: الصابئون الذين لم تبلغهم دعوة نبي، والله أعلم.

0 comments:

إرسال تعليق