الخميس، 6 أكتوبر 2011

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (الشمس 1-10، تفسير ابن كثير، مجلد 8، صفحة 96)


قال مجاهد ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ) أي وضوئها. وقيل ( وَضُحَاهَا ) النهار كله. ( وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا ) تبعها. ( وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا ) أضاء. وقيل إذا غشيها. قال ابن جرير وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى والنهار إذا جلا الظلمة، لدلالة الكلام عليها. قلت ولو أن هذا القائل تأول ذلك بمعنى ( وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا ) أي البسيطة، لكان أولى، ويصح تأويله في قول الله تعالى ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ) فكان أجود وأقوى، والله أعلم. وقيل ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ) يعني إذا يغشى الشمس حين تغيب، فتظلم الآفاق.

وقوله ( وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ) يحتمل أن تكون "ما" هاهنا مصدرية، بمعنى والسماء وبنائها. وهو قول قتادة، ويحتمل أن تكون بمعنى "مَن" يعني والسماء وبانيها. وهو قول مجاهد، وكلاهما متلازم، والبناء هو الرفع، كقوله ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ أي: بقوة وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ) (الذاريات 47، 48). وهكذا قوله ( وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا ) قيل (طَحَاهَا ) دحاها. وقيل أي خلق فيها. وقال الأكثرون (طَحَاهَا ) بسطها.

وقوله (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ) أي خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة، كما قال تعالى ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ) (الروم 30)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جَمْعَاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ ". وعن عياض بن حمار المجاشعي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله عز وجل: إني خلقت عبادي حُنَفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم" .

وقوله تعالى (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) أي فأرشدها إلى فجورها وتقواها، أي بين لها ذلك، وهداها إلى ما قدر لها. قال ابن عباس: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ) بين لها الخير والشر. وقال سعيد بن جبير ألهمها الخير والشر. وقال ابن زيد جعل فيها فجورها وتقواها.

وعن أبي الأسود الدّيلي قال: قال لي عمران بن حصين أرأيت ما يعمل فيه الناس ويتكادحون فيه، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قَدَر قد سبق، أو فيما يُستَقبَلُون مما أتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم، وأكدت عليهم الحجة؟ قلت بل شيء قضي عليهم، قال فهل يكون ذلك ظلمًا؟ قال ففزعت منه فزعًا شديدًا، قال: قلت له ليس شيء إلا وهو خَلقُه وملْك يَده، لا يسألُ عما يفعل وهم يسألون، قال: سددك الله، إنما سألت لأخبر عقلك، إن رجلا من مُزَينة أو جهينة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قَدر قد سبق، أم شيء مما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم، وأكدت به عليهم الحجة؟ قال: "بل شيء قد قضي عليهم". قال: ففيم نعمل؟ قال: "من كان الله خلقه لإحدى المنـزلتين يُهَيِّئه لها، وتصديق ذلك في كتاب الله: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)  ".

وقوله (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) يحتمل أن يكون المعنى قد أفلح من زكى نفسه، أي بطاعة الله، وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل. كقوله تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ) (الأعلى 14،15).

( وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) أي دسسها، أي أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهُدَى، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله عز وجل.
وقد يحتمل أن يكون المعنى قد أفلح من زكى الله نفسه، وقد خاب من دَسَّى الله نفسه. عن زيد بن أرقم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " اللهم، إني أعوذ بك من العجز والكَسَل والهرم، والجُبن والبخل وعذاب القبر. اللهم، آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم، إني أعوذ بك من قَلْب لا يخشع، ومن نَفْس لا تشبع، وعِلْم لا ينفع، ودعوة لا يستجاب لها ". قال زيد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمناهن ونحن نعلمكوهن.

0 comments:

إرسال تعليق