الأحد، 26 يونيو 2011

وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ * فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (سبأ 14،13،12، تفسير ابن كثير، مجلد 6، صفحة 135)

لما ذكر تعالى ما أنعم به على داود، عطف بذكر ما أعطى ابنه سليمان ، من تسخير الريح له تحمل بساطه، غدوها شهر ورواحها شهر.


وقوله ( وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ) قال عدد من العلماء القطر النحاس.

وقوله ( وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ) أي وسخرنا له الجن يعملون بين يديه بإذن الله، أي بقدره ، وتسخيره لهم بمشيئته ما يشاء من البنايات وغير ذلك. ( وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا ) أي ومَنْ يعدل ويخرج منهم عن الطاعة ( نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ ) وهو الحريق.

وقوله ( يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ )  أما المحاريب فهي البناء الحسن، وهو أشرف شيء في المسكن وصدره.وأما التماثيل فقال غير واحد التماثيل الصور. قيل كانت من نحاس. وقيل من طين وزجاج.

وقوله ( وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ) الجواب جمع جابية، وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء، وقيل ( كَالْجَوَابِ ) أي كالجوبة من الأرض. والقدور الراسيات أي الثابتات، في أماكنها لا تتحول ولا تتحرك عن أماكنها لعظمها.

وقوله ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا ) أي وقلنا لهم اعملوا شكرًا على ما أنعم به عليكم في الدنيا والدين. وشكرًا مصدر من غير الفعل، أو أنه مفعول له، وعلى التقديرين فيه دلالة على أن الشكر يكون بالفعل كما يكون بالقول وبالنية، كما قال الشاعر:

أفَــادَتْكُمُ النّعْمَـاء منِّـــي ثَــلاثةً             يـدِي, ولَسَـاني, وَالضَّمـير المُحَجَّبَـا

قال أبو عبد الرحمن الحُبلي  الصلاة شكر، والصيام شكر، وكل خير تعمله لله شكر. وأفضل الشكر الحمد. وعن محمد بن كعب القُرَظي قال الشكر تقوى الله والعمل الصالح. وهذا يقال لمن هو متلبس بالفعل، وقد كان آل داود، عليه السلام، كذلك قائمين بشكر الله قولا وعملا.

وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن أحب الصلاة إلى الله صلاةُ داودَ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما. ولا يَفر إذا لاقى".

وقوله ( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) إخبار عن الواقع.


ثم يذكر تعالى كيفية موت سليمان، عليه السلام، وكيف عَمَّى الله موته على الجانّ المسخرين له في الأعمال الشاقة، فإنه مكث متوكئًا على عصاه - وهي مِنْسَأته - كما قال ابن عباس رضي الله عنه وغير واحد - مدة طويلة نحوا من سنة، فلما أكلتها دابةُ الأرض، وهي الأرضة، ضعفت وسقط إلى الأرض، وعلم أنه قد مات قبل ذلك بمدة طويلة، تبينت الجن والإنس أيضًا أن الجن لا يعلمون الغيب، كما كانوا يتوهمون ويوهمون الناس ذلك.


0 comments:

إرسال تعليق