الاثنين، 29 أغسطس 2011

وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (الحج 27،26، تفسير ابن كثير، مجلد 4، صفحة 529)


هذا فيه تقريع وتوبيخ لمن عبد غير الله، وأشرك به من قريش، في البقعة التي أسسّتْ من أول يوم على توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، فذكر تعالى أنه بَوأ إبراهيم مكانَ البيت، أي أرشده إليه، وسلمه له، وأذن له في بنائه.

واستدل به كثير ممن قال: " إن إبراهيم، عليه السلام، هو أول من بنى البيت العتيق، وأنه لم يبن قبله " ، كما ثبت في الصحيح عن أبي ذر قلت: يا رسول الله، أي مسجد وُضعَ أول؟ قال: "المسجد الحرام". قلت: ثم أي؟ قال: "بيت المقدس" . قلت كم بينهما؟ قال: "أربعون سنة" .

وقد قال الله تعالى: ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ ) (آل عمران 97،96)، وقال تعالى ( وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) (البقرة 125 ).

وقال تعالى هاهنا ( أَنْ لا تُشْرِكْ بِي ) أي ابْنه على اسمي وحدي، ( وَطَهِّرْ بَيْتِيَ ) قال مجاهد وقتادة: من الشرك، ( لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) أي اجعله خالصا لهؤلاء الذين يعبدون الله وحده لا شريك له.

فالطائف به معروف، وهو أخص العبادات عند البيت، فإنه لا يفعل ببقعة من الأرض سواها، ( وَالْقَائِمِينَ ) أي في الصلاة؛ ولهذا قال ( وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) فقرن الطواف بالصلاة؛ لأنهما لا يشرعان إلا مختصين بالبيت، فالطواف عنده، والصلاة إليه في غالب الأحوال، إلا ما استثني من الصلاة عند اشتباه القبلة وفي الحرب، وفي النافلة في السفر، والله أعلم.

وقوله ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ) أي ناد في الناس داعيا لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه، وقوله ( يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) قد يَستدلّ بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أن الحج ماشيا، لمن قدر عليه، أفضلُ من الحج راكبا؛ لأنه قدمهم في الذكر، فدل على الاهتمام بهم وقوة هممهم وشدة عزمهم، والذي عليه الأكثرون أن الحج راكبا أفضل؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه حج راكبا مع كمال قوته، عليه السلام.

وقوله ( يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ ) يعني: طريق، كما قال ( وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا ) (الأنبياء 31 ). وقوله ( عَمِيقٍ ) أي بعيد. وهذه الآية كقوله تعالى إخبارا عن إبراهيم، حيث قال في دعائه ( فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ) (إبراهيم 37 ) فليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يحن إلى رؤية الكعبة والطواف، فالناس يقصدونها من سائر الجهات والأقطار.

0 comments:

إرسال تعليق